Sunday, January 11, 2015

دارفور : حوالى 50,000 حالة اغتصاب





تقول وثائق الامم المتحدة في تعريفها للنازحين داخليا انهم اي مجموعة من الافراد أجبرتهم ظروف غير طبيعية سياسية أو أمنية أو اقتصادية أو متعلقة بالكوارث الطبيعية علي النزوح عن مناطقهم الاصلية بحثا عن الاحتياجات الاساسية للانسان كالشراب والطعام والمأوي والعلاج والتعليم . وتقول الامم المتحدة والمنظمات الدولية ان السودان يحتل  المركز الاول أفريقيا وعالميا من حيث أعداد النازحين داخليا. اذ يتجاوز عدد النازحين داخليا السبعة ملايين سوداني بما يعني ان أكثر من ربع سكان السودان الذي لا يتجاوز تعداد سكانه الثلاثين مليون نسمة عقب انفصال الجنوب هم نازحون داخليا ويحتاجون لانواع معينة من الدعم وتقديم الاغاثة لهم. وتقول الارقام ان ما يقارب نصف هذا العدد من النازحين هم في دارفور التي بلغ تعداد النازحين بها في نهاية العام الماضي 2012م حوالي 2.7 مليون نازح يعتمدون بشكل كامل علي برنامج الغذاء العالمي وعدد من وكالات الامم المتحدة والمنظمات الدولية في تلقي الغذاء والمياه والعلاج وبعض الخدمات التعليمية. الغريب ان الاحصائيات تؤكد ان ما يقارب العدد الموجود في دارفور بكل ماساتها الانسانية ، يوجد أيضا في الخرطوم وحولها التي يسكنها مليوني نازح من أصل عشرة ملايين هم سكان الخرطوم بما يعني ان واحدا بين كل خمسة أشخاص في العاصمة السودانية هو في الاصل نازح أيضا. ويتوزع حوالي اثنين مليون نازح اخر بين مناطق السودان المختلفة حوالي 110 الف منهم نزحوا جراء النزاعات في أبيي ، وبعضهم الاخر نزحوا الي ولايات شمال كردفان والنيل الابيض وسنار والجزيرة عقب الحرب الاخيرة في النيل الازرق وجنوب كردفان ، بالاضافة لأعداد كبيرة من النازحين من ولايات شرق السودان التي لا تملك لا الامم المتحدة ولا المنظمات غير الحكومية ولا حتي مفوضية العون الانساني الحكومية تقديرات واضحة لاعداد النازحين منها.
الي جانب أعداد النازحين تلك يوجد ايضا الملايين من اللاجئين السودانيين خارج السودان بعضهم بسبب الحروب والبعض الاخر بسبب أشكال مختلفة من الاضطهاد ومعظمهم جراء الاوضاع الاقتصادية السيئة، بين هؤلاء ما يقارب ال300 الف لاجئ دارفوري في معسكرات شرق تشاد وحوالي 200 الف لاجئ جديد فروا الي جنوب السودان جراء الحرب في جنوب كردفان وما يزيد عن المائة الف في اثيوبيا جراء حرب النيل الازرق، وعندما نضع بقية عدد اللاجئين السودانيين الاخرين في جميع المهاجر (( لا سيما أوربا وأمريكا واستراليا وكندا واسرائيل وغيرها )) المسجلين رسميا كلاجئين والبالغ عددهم مليونين وستمائة الف لاجئ نكتشف ان عدد اللاجئين السودانيين يزيد عن الثلاثة ملايين نسمة أي ما يزيد عن عشرة بالمائة من السودانيين هم لاجئين في دول الجوار والعالم، وباضافة هذا الرقم الي أعداد النازحين داخليا يصل العدد الي ما يزيد عن العشرة ملايين بما يعني ان ما يزيد عن ثلت سكان السودان ما بين لاجئ خارجيا ونازح داخلي جراء الحروب والاضطهاد. وباضافة العامل الاقتصادي لاسباب من تركوا البلاد تدخل فئة أخري هي المغتربين السودانيين ، الذين هاجروا فعليا لكنهم لم يتقدموا للمنظمات أو مفوضية الامم المتحدة للاجئين بطلب تسجيلهم رسميا كلاجئين ، وهؤلاء وبحسب الحكومة نفسها أي جهاز شئون المغتربين يبلغ عددهم حوالي ستة مليون تقريبا ، وهنا يقفز العدد الاجمالي الي أكثر من 16 مليون نسمة ، بمعني أن أكثر من نصف تعداد السودانيين أما مشردون داخليا أو خارجيا جراء الحرب والعنف والاضطهاد والضغوط الاقتصادية. كما ان السودان ظل يحتل المركز الاول في الدول الاكثر احتياجا للاغاثة في العالم منذ العام 2009  وحتي الان ، وظل ينافس الصومال وبعض الدول التي ضربتها كوارث طبيعية علي ذلك الموقع من فترة لأخري منذ التسعينات.
حقائق دارفورية
سكان دارفور بحسب التعداد السكاني الاخير الذي أجري في العام 2008 يبلغون 7 ملايين نسمة بما في ذلك النازحين واللاجئين، رغم تشكيك الكثيرين في صدق شمولية هذا الرقم الرسمي للنازحين في معسكراتهم واللاجئين الدارفوريين لا سيما في شرق تشاد ، نسبة لرفض النازحين واللاجئين لدخول فرق التعداد الي معسكراتهم في ذلك الحين ، وطردهم للكثير من تلك الفرق والاشتباك معهم في الكثير من الاحيان ما قاد لعزوفهم عن دخول المعسكرات. وبما انه في حكم المؤكد ان عدد النازحين داخليا في الاقليم يتراوح بين 2.7 الي ثلاثة ملايين بالاضافة الي ما يزيد عن 300 الف لاجئ اخر في شرق تشاد فان العدد الاجمالي يوضح أيضا ان نصف سكان دارفور تقريبا يعيشون في معسكرات اللجوء والنزوح منذ حوالي عشرة سنوات هي عمر الازمة في الاقليم المنكوب.
لا تمتلك الامم المتحدة ولا المنظمات الانسانية ولا الحكومة حصرا واضحا لعدد معسكرات النازحين في الاقليم ، لكن عاملين سودانيين في بعض منظمات الغوث الانساني في دارفور كشفوا لـ ( حريات ) ان عددها يزيد عن المائة معسكر تنتشر في كافة انحاء الاقليم من شماله الي جنوبه ومن شرقه الي غربه. وتتركز معظم المعسكرات الي جانب المدن بحثا عن الامن المفقود حينما هرب الناس بشكل جماعي من مناطقهم الاصلية لا سيما في السنوات الاولي للأزمة ومعظم قاطنيها ينتمون الي قبائل الفور أو المساليت أو الزغاوة وعددا من القبائل التي تنتمي لجذور أفريقية .
صورة عن قرب
أنشأت المعسكرات بطريقة عفوية وعشوائية اثناء الهروب الجماعي خلال العامين 2003 و 2004م ، حيث اضطر الناس اثناء هروبهم للجوء الي الاقتراب من المدن فرارا من القتل الجماعي الذي اجتاح كافة الارياف دون أي استثناء ، وبني الفارون منازلهم بما تيسر من القش والخيش والطين، وظلت هذه المنازل لفترات طويلة وما يزال معظمها دون حتي مراحيض ، وتؤكد ذلك تقارير بعض منظمات الاغاثة التي تعتبر ان تطورا قد حدث في مجال اصحاح البيئة في المعسكرات ، مفاده ان كل أربعة أسر – بمتوسط 20 شخص- تستطيع ان تتشارك في مرحاض واحد.
المعسكرات نفسها عبارة عن قطع اراضى تتراوح مساحة كل واحدة منها بين اثنين الي اربعة كيلومترات مربعة ويقطنها في معظم الاحيان مالا يقل عن عشرين الف نسمة ، وقد أجبرت الحكومة مع كثرة الضغوط عليها للسماح لهؤلاء بالوجود في تلك المناطق التي تسمي معسكرات نازحين، وبدأت المنظمات تدريجيا في تقديم الخدمات لهم ، حيث لا وجود مطلقا لخدمات من أي نوع تقدمها الحكومة في المعسكرات بل تتكفل كل منظمة أو مجموعة منظمات بمعسكر معين وتقدم فيه خدمات الصحة والتعليم وحفر ابار المياه والمراحيض وغيرها من الخدمات الاساسية.
ويقول نازحون لـ ( حريات ) انه بمرور عشرة سنوات علي وجود هذه المعسكرات فقد اضطر الناس لمحاولة البحث عن فرص عمل أو مصادر للدخل ايا كانت ، بعد ان فقدوا اراضيهم الزراعية – معظمهم مزارعون- وحواكيرهم التي تسيطر عليها المليشيات الحكومية العربية السودانية أو العربية المستجلبة من خارج السودان لا سيما من النيجر وتشاد. وبدأ الاف النازحين في رحلة يومية الي المدن المجاورة للبحث عن دخل بأي صورة كانت ، اذ تعمل النساء كخادمات في المنازل وفي أعمال البناء والتشييد ، فيما يعمل الرجال في الاعمال الهامشية مثل بيع الماء وما شابهه.
ويقول خبير دارفوري ان وجود المعسكرات خلق تغييرا كبيرا وقسريا في الخارطة الديمغرافية في دارفور، اذ ان المزارعين الذين نزحوا لا يستطيعون العودة للعمل في حواكيرهم لانها أخذت بوضع اليد وكذلك لانعدام الامن في المناطق الريفية الزراعية خارج المدن ، وأصبح هؤلاء يعيشون في مناطق قريبة من المدن ما ادي لظهور عادات وتأثيرات جديدة علي سلوكهم الذي تأثر بالمدن، لا سيما ان جيلا كاملا قد نشأ بجانب المدن بعيدا عن واقعه الثقافي الاصلي ، لكن هذا الوجود وجود سطحي وهامشي لانه لا يوجد أي نوع من الخدمات التي تتوفر في المدينة مثل الكهرباء أو المياه النظيفة أو حتي التلفاز ناهيك عن خدمات الاتصالات وخلافها. ويمضي الخبير للتأكيد لـ ( حريات ) ان تلك التغييرات سيكون لها تأثير وعواقب كبيرة في المستقبل ، لانها تغييرات ديمغرافية وسلوكية كبيرة، قبل أن يضيف ان علاقات جديدة بدأت في النشوء بين النازحين والسكان الاصليين في المناطق التي نزح اليها هؤلاء ، ولما كان بعض السكان الاصليين من جذور عربية ، وبعض المناطق منحتها الحكومة لقبائل عربية بعينها ، فان كثير من الاحتكاكات تنشب داخل وحول المعسكرات، لا سيما جراء اقتسام الخدمات التي تقدمها المنظمات نفسها.
ويتهم ناشطون الحكومة بتعمد احداث ذلك للتخلي عن الدعم الاجتماعي والاقتصادي الذي تحتاجه المجموعات العربية نفسها ، لانها بالحقيقة تعاني تهميشا كبيرا ايضا ، ولا تتوفر لديها الكثير من احتياجات الحياه ، ولذلك فقد نشأ نوع جديد من المنافسة حول خدمات المنظمات بدلا من الصراع حول المصادر الطبيعية كالماء والمرعي.
ويقول خبراء ان تحولات سلوكية تميل في معظمها للعنف وتخاف من المستقبل تنمو في المعسكرات لا سيما وسط الاطفال. ويقول عدد من المعلمين في هذا الاطار لـ ( حريات ) ان دراسة أجروها في عينة عشوائية من أطفال عدد من المعسكرات اثبتت ان 80% منهم يرسمون صورا لرجال يركبون الجمال والخيل ويحملون البنادق. ويقول المعلمون ان هذه هي أكبر ادانة للحكومة لان ذاكرة الاطفال لا تكذب ابدا. ويؤكدون ان تحليل هذه الرسومات يوضح ان هؤلاء الاطفال النازحين يميلون لرد فعل قوي تجاه العنف الذي شاهدوه في الماضي ويخافون من المستقبل ، وربما تتكون لديهم رغبة في الانتقام بمرور الزمن.
القتل
تعتمد الامم المتحدة بصورة رسمية ان عدد القتلي جراء الحرب في دارفور يبلغ حوالي 300 الف نسمة ويتم تداول هذا الرقم في الاعلام والندوات بصورة كثيفة ، فيما اكدت الحكومة في وقت سابق علي لسان عمر البشير ان عدد القتلي لا يتجاوز العشرة الاف قتيل. ويقول عدد من الناشطين ان هذا الرقم تم اعتماده خلال الاعوام 2003 و2004 و2005  للأزمة لكن لم يتم تحديثه برصد الاعداد الاضافية لمن تم قتلهم في الاقليم بأكمله خلال الفترة الطويلة التي تبلغ سبعة اعوام والتي أعقبت المرحلة الاولي من الابادة الجماعية التي شهد عليها العالم. ويدلل الناشطون بان الحرب مستمرة وبالتالي لابد ان يكون القتل مستمرا وذلك بشهادة الجميع والعالم. ورغم عدم امتلاكهم لارقام محددة ، الا ان الناشطين يرجحون في حديثهم لـ ( حريات ) بان عدد من قتلوا عقب العام 2005 ربما يتجاوز ال200 الف نسمة بمعدل حوالي الثلاثين الف سنويا بما يعني ان الرقم الذي يجب اعتماده حاليا نصف مليون قتيل مع الاخذ في الاعتبار ان هذا الرقم مستمر في الزيادة.
ويقول نازحون في عدد من المعسكرات لا سيما في شمال دارفور ان الاهم ان الحكومة والمليشيات التابعة لها ما تزال تعتمد القتل كأسلوب ممنهج لحسم الحرب والاوضاع الامنية المنفلتة في الاقليم. ويؤكد هؤلاء مشاهدتهم لعشرات العمليات الجماعية للقتل بين المدنيين لاسباب عديدة منها الشك في الانتماء أو التعاون مع الحركات المسلحة او الطمع في الممتلكات أو بسبب النزاعات القبلية حول المرعي أو الماء أو الرغبة في اغتصاب النساء ، مشيرين الي الانفلات الكامل للمليشيات المسلحة عن يد الحكومة.
وفي هذا الاطار يؤكد العشرات من ابناء القبائل العربية نفسها انهم تفاجأوا وبالتحديد مع بدء التحقيقات المرتبطة بالمحكمة الجنائية بان الحكومة بدأت في التخلي عنهم ودعم بعض القبائل الافريقية الصغيرة لخلق حالة من الربكة للمحللين والمحققين الدوليين ، ولمواجهة بعض حالات التمرد التي بدأت تنشب وسط القبائل العربية نفسها ، لا سيما وان بعضها أصبح قوة ضاربة بامتلاكها لأسلحة متطورة تصل الي حد مضادات الصواريخ والدبابات. ويقولون لـ ( حريات) انهم شاهدوا تلك الانواع من الاسلحة كثيرا لا سيما خلال الحروبات المتعددة التي نشبت بين القبائل العربية نفسها واخرها ما حدث من نزاعات حول مناجم الذهب في جبل عامر بمنطقة السريف بشمال دارفور.
ويقول مدثر – ينتمي لقبيلة الفور- من ابناء منطقة كبكابية بشمال دارفور هربنا من القتل العشوائي الذي شاهدناه أمام اعيننا. ويمضي قائلا لـ ( حريات ) بان المليشيات العربية التي جندتها الحكومة لقتال المتمردين وأوحت لها ان كل من ينتمي لقبيلة أفريقية يدعم التمرد قامت بسحل الناس في قريتنا، اذ كانوا يربطون الشباب بحبل واحد طويل الي جانب بعضهم البعض ويرمونهم بالرصاص فيما تغتصب النساء أمام رجال القبيلة امعانا في الاذلال وكسر شوكة القبيلة. ذات الرواية مع قليل من الاختلافات جاءت في ستة روايات اخري تلقتها (حريات) بوسائل اتصال مختلفة.
ويؤكد هنا بعض أبناء القبائل العربية في دارفور حقيقة تجنيد الكثيرين من أبنائهم في بداية الازمة لحرب (المتمردين) ، مشيرين الي مؤتمر للقبائل العربية عقد في شمال دارفور في العام 2003 برعاية النائب الاول علي عثمان محمد طه وموسي هلال أحد أشهر قيادات الجنجويد وقائد المليشيات المطلوب للجنائية علي كوشيب ، وتقديم السلاح للقبائل العربية للدفاع عن نفسها حسبما أكد المؤتمرون حينها. ويقول شهود عيان اخرون من قبائل الرزيقات ان طائرات هيلوكوبتر حكومية كانت تسقط السلاح في مناطق بعينها تم الاتفاق عليها مسبقا لتستلمها تلك المليشيات لا سيما خلال العامين 2003 و 2004.
التفرقة
ويكشف عدد من أبناء القبائل العربية لـ ( حريات ) عن تشكل تحالفات جديدة خلال الحرب الحكومية والجهود المستمرة للأجهزة الامنية لاستمالة قبائل بعينها وذلك للتلاعب علي ميزان القوي والحفاظ علي اليد العليا للحكومة في كل الاوقات. فكانت المرحلة الاولي من القتل عن طريق تسليح قبائل عربية لها وجودها الكبير مثل المحاميد والبني حسين والصعدة وغيرها من القبائل العربية. وفي المرحلة الثانية التي اعقبت اتفاقية السلام مع حركة تحرير السودان جناح مناوي زادت الحكومة من عملها علي تفرقة القبائل بدس الفتن بين أبناء القبائل الافريقية الكبيرة واستعمال المال والاغراء لاحداث أكبر قدر من الانشقاقات القبلية في أوساط الحركات نفسها ، وهو الامر الذي اشار اليه احد العاملين في فريق العمل الذي كان يتبع لمبعوث الامم المتحدة في السودان يان الياسون. ويقول المصدر الرفيع في حديث أسر به لـ ( حريات ) ان الياسون طرح ما تقوم به الحكومة من فتن لتقسيم الحركات الدارفورية في مؤتمر توحيد الحركات المسلحة الذي عقد في مدينة اروشا التنزانية في العام 2009، ونصحهم بان الامر ليس في مصلحة الحكومة في المقام الاول ، لأنه من الايسر لها ان تفاوض أقل عدد ممكن من الحركات بدلا عن أن تفاوض عددا كبيرا اذا كانت حريصة علي السلام. ويخلص المصدر الي ان تكتيك الحكومة يقوم علي تفتيت الحركات واقامة اتفاقيات جزئية مع كل منها لاضعافها والقضاء عليها جميعا في نهاية المطاف. وتأكيدا لذات الاتجاه يكشف أحد القيادات السابقة في حركة مناوي وأحد المقربين منه ان جهاز الامن فرغ عددا من الضباط لاستدراج قيادات الحركة ومحاولة تجنيدهم بالمال أو بالنساء أو باثارة النعرات القبلية. . ويؤكد القيادي الذي شدد علي حجب اسمه انه تعرض شخصيا لاغراء المال ورفضه وهدد ضباط الجهاز بفضحهم اذا حاولوا مواصلة التعرض لمنسوبي الحركة.
الخطة الحكومية
وعمل القيادي بالمؤتمر الوطني غازي صلاح الدين منذ تعيينه كمسئول عن ملف دارفور في مطلع العام 2009 علي اجراء تغييرات أكثر عمقا في الملف وفي وضعية المنطقة بأكملها. ويقول مصدر كان مقربا من غازي في ذلك الوقت انه كان يعتبر الملف سبيلا خاصا لتأكيد بعد نظره وضرورة العودة والارتكان اليه من قبل البشير شخصيا عقب ان بدأت تتكشف للبشير الصعوبات التي وضعته فيها اتفاقية السلام التي وقعها مع الحركة الشعبية في العام 2005 تحت ضغوط المجتمع الدولي بقيادة علي عثمان. وأسر المصدر لـ ( حريات ) بان غازي ظل يشعر بمرارة كبيرة من انتزاع ملف المفاوضات مع الحركة الشعبية من يديه واظهاره بشكل القيادي المتطرف امام المجتمع الدولي الذي يحرص غازي علي ترك الباب مواربا معه في كل الاحوال.
وحرص غازي – والحديث مايزال لمصدرنا- علي وضع خطة حكومية تظهر امكانياته وتفهمه لطريقة تفكير المجتمع الدولي وتحقيق مصالح المؤتمر الوطني وتفادي أي صعوبات كبيرة لا سيما انه تسلم الملف عقب ظهور شبح الجنائية علي خط الازمة في الاقليم. وبني غازي خطته علي عدة محاور محلية واقليمية ودولية.
وتركز المحور الدولي علي مخاطبة ارهاق المانحين وضجرهم من استمرار الاوضاع الانسانية في مرحلة الطوارئ لسنوات طويلة تتجاوز حدود الاعراف المعمول بها في المنظمات الدولية التي تحرص علي الا تتجاوز فترة الطوارئ بين ستة اشهر الي عام ، فصاغ غازي مفهوم التحول من الاغاثة الي التنمية لسحب البساط من المجتمع الدولي نفسه وتعريته أمام المجتمع الدارفوري في ذات الوقت، ذلك مع العمل علي عزل المنظمات الصادقة في عملها باستخدام الابتزاز والتهديد والطرد والمضايقات المتلاحقة. وفي هذا الاطار يتم صياغة مشاريع العودة الطوعية للنازحين ودفع التعويضات وتقديم المساعدات للجميع وليس للضحايا فقط ، بل يتم ارغام الضحايا علي العودة لمناطق جديدة ليست هي المعسكرات التي تبقي قضية حواكيرهم حية ولا هي العودة لمناطقهم نفسها بل التخلص منهم نهائيا بانشاء قري تسمي نموذجية لاحداث تغيير جذري في النسيج الاجتماعي بل وسلوك الافراد والجماعات ذات الجذور الافريقية لالهائها والهاء المجتمع الدولي عن جانب اساسي في الصراع في دارفور وهو ملكية الاراضى والحواكير.
الجانب الثاني هو استخدام المنظمات نفسها بالاستفادة مما تقدمه من مساعدات في ارضاء القبائل العربية التي استجلبتها الحكومة من تشاد والنيجر وتحتاج للغذاء والمساعدات المستمرة دون استعداد للعمل في الزراعة او حتي الرعي عقب ان اعتادت علي الدخل السهل لفترات طويلة، واعتادت قياداتها علي تلقي الاموال الطائلة دون حساب من الحكومة عبر الاجهزة الامنية.
وفي هذا الاطار يكشف الاستطلاع الواسع الذي أجرته ( حريات) ان الحكومة قامت بمنح اراضى واسعة بالقرب من المعسكرات للقبائل العربية المحلية والمستجلبة لخلق حالة من التنافس علي الموارد المتاحة وارباك المنظمات من ناحية ومراقبة وارهاب سكان المعسكرات من ناحية ثانية وارغام المنظمات – وهنا بيت القصيد- علي تقديم المساعدات للجميع علي قدم سواء تفاديا لنشوب العنف بسبب التنافس علي المساعدات من ناحية ثالثه.
علي المستوي الاقليمي ركزت خطة غازي صلاح الدين علي تجفيف ما يعتقد انها مصادر لتمويل الحركات من ليبيا في عهد القذافي ومن دولة تشاد. وفي هذا الاطار اعتمدت الخطة جانبي الترهيب والترغيب للقيادة التشادية عن طريق تسليح المليشيات المكونة من القبائل العربية ودفعها للتحالف من أجل اسقاط النظام في تشاد ، وشراء النظام التشادي نفسه في وقت لاحق في صفقة كبيرة قادها غازي نفسه تم فيها بيع ذلك التحالف لتشاد بتسليم معظم قيادات المليشيات نفسها للنظام التشادي مع تدعيم ذلك بدفع الاموال والزيجات وغيرها من أساليب شراء الولاء ، انتهاءا بانشاء القوات السودانية التشادية علي الحدود. ويقول شهود ان معسكرات المليشيات العربية التشادية كانت معروفة حتي للمواطنين العاديين لا سيما في ولاية غرب دارفور المتاخمة لتشاد. مشيرين الي ان الحكومة باعت حلفاءها القدامي من المليشيات وابدلتهم بالجيش التشادي ، بل ان الامر لم يحتاج لانشاء الكثير من المعسكرات الجديدة كثكنات لجنود الجيش التشادي حيث ان معظمهم اقاموا معسكراتهم في ذات مناطق المليشيات السابق.
أما ليبيا القذافي التي استعصت علي الاحتواء أو التحالف ، فقد اضطر نظام البشير لانتظار التوقيت المناسب والتدخل بدعم المليشيات الليبية الاسلاموية خلال الانتفاضة الليبية لتغيير نظام القذافي. ويكشف لـ ( حريات ) ضابط مخابرات ليبي سابق ان نظام الانقاذ فتح أجواء واراضي السودان لقوات الناتو وسلاح الجو القطري لنقل السلاح الي المليشيات الليبية التي كانت تقاتل في بنغازي والزاوية وغيرها من مناطق الحرب التي دارت علي اراضي ليبيا بين نظام القذافي ومعارضيه. ويؤكد الضابط الذي فضل اخفاء اسمه حرصا علي سلامته انهم عثروا خلال معارك الكر والفر التى استمرت بين القوات الليبية والمسلحين المعارضين علي أدلة دامغة تثبت تورط السودان وقطر عسكريا في تقديم السلاح والتدريب والمساعدات اللوجستية والغذائية للمسلحين الاسلاميين الليبيين خلال تلك المعارك.
وعلي المستوي الداخلي اعتمدت خطة غازي الداخلية علي ضرب القبائل الافريقية الكبيرة – الفور والزغاوة والمساليت- التي يعتقد انها الداعم الاساسي للحركات المسلحة وذلك عن طريق الاحتفاظ بالحلفاء القدامي ( القبائل العربية) مع اعتماد حلفاء جدد من القبائل الافريقية الصغيرة مثل البرتي والتنجور والداجو والزغاوة العرب وغيرهم ، وفي ذلك ايضا فائدة اخري لخلط الاوراق بالنسبة للمجتمع الدولي الذي يعتمد ان الحرب في دارفور قوامها الوحيد والاساسي هو الحرب بين القبائل العربية والافريقية ، وتبعا لذلك ارباك المرتكزات الاساسية للأدلة التي تعتمد عليها المحكمة الجنائية الدولية في اتهاماتها للبشير وبقية المتهمين.
الاغتصاب
مارس نظام الانقاذ والميشيات التابعة له ومايزال الاغتصاب كأداة للحرب والانتقام بصورة متعمدة وممنهجة في مناطق القبائل الافريقية التي كان يعتقد انها تدعم الحركات المسلحة ثم انفجرت الظاهرة بصورة ممنهجة وأحيانا عشوائية من قبل المليشيات بصورة واسعة لم تطال فقط المناطق الريفية بل حتي داخل وحول معسكرات النازحين في كافة أرجاء الاقليم دون استثناء. ورغم عدم وجود أرقام محددة لعدد المغتصبات نسبة لوصمة العار والعادات والتقاليد التي تصعب الاعتراف بها ، الا ان عدد من المنظمات الدولية والعاملين في المجال الانساني في دارفور كشفوا بان الارقام التقريبية تؤكد ان العدد لا يقل عن خسمين الف أمرأة تعرضت للاغتصاب أو التحرش بأشكال مختلف من العنف الجنسي الذي ما يزال مستمرا في الاقليم.
ويقول عمال اغاثة سودانيون ان أكثر من 200 حالة اغتصاب تتم بصورة اسبوعية بالقرب من المعسكرات فيما تتم أضعاف ذلك العدد من حالات الاغتصابات المسكوت عنها في المناطق الريفية البعيدة. ويؤكد العاملون لـ ( حريات ) ان خروج النساء للاحتطاب حول المعسكرات وفي الارياف اصبح أمرا مرعبا لالاف النساء في دارفور، كما دفع الامر الاف الاسر لوقف بناتهن عن الذهاب للمدارس لما يتعرضن له في طريق  الاياب من تحرشات لا سيما اذا كانت المدرسة بعيدة عن المنازل في المعسكرات أو القري البعيدة.
ويقول ادم حسين من قاطني معسكر ابوشوك انه شاهد بنفسه عملية اغتصاب جماعي تمت أمام عينيه لعشرات النساء في قريته بشمال دارفور في العام 2004 ، فيما قال اخر اشترط حجب اسمه ان الاغتصاب الجماعي تم في أكثر من قرية في السنين الأولي للحرب ، وانه كان يتم بصورة جماعية لاذلال القبائل التي لم تستطع حماية نسائها ، ما يؤدي لانكسار القبيلة وهروبها من حواكيرها وعدم التمكن من العودة اليها بسبب الشعور بالعار والخزي أمام الاخرين.
وتروي احدي قريبات المغتصبات قصة مؤلمة عن تعرض قريبتها التي تقطن معسكر الحمادية بالقرب من مدينة زالنجي للاغتصاب لمرتين متتاليتين خلال الاعوام 2003 و2009. وتقول الشاهدة لـ ( حريات ) ان قريبتها تعرضت للاغتصاب خلال هروبها من قريتها عند تعرضها للهجوم في العام 2003 عندما اغتصبها أحد الجنود بعد أن طعنها في قدمها. وعقب نزوحها لمعسكر الحمادية تعرضت للاغتصاب مرة اخري في مايو من العام 2009 عندما كانت تحاول جمع الحطب بالقرب من المعسكر بصحبة عدد من نساء المعسكر. وتؤكد ان ثلاثة رجال يرتدون الزي الحكومي قاموا باغتصابها عنوة أمام حوالي العشرين من نساء المعسكر ثم تركنها تنزف حتي تم اسعافها لمستوصف طبي تابع لاحدي المنظمات حيث تم اسعافها.
وتؤكد تقارير داخلية لبعثة الامم المتحدة في دارفور ان القوات الحكومية والمليشيات التابعة لها مارست الاغتصاب بصور فردية وجماعية ممنهجة في اطار حربها وجرائمها ضد القبائل الافريقية في دارفور. وتقول التقارير التي أطلعت ( حريات ) علي جزء منها ان البعثة لم تستطع ان تحصر حالات الاغتصاب التي تمت في الاقليم منذ العام 2003 وحتي الان ، لكنها أشارت الي ان الرقم يقدر بالالاف. وابانت البعثة انها تواجه عرقلة ممنهجة من قبل الحكومة لاخفاء حالات الاغتصاب ، مشيرة الي ان الاجهزة الامنية الحكومية تتعامل بحساسية عالية وتشدد وتكتم مع حالات الاغتصاب، بالاضافة الي ترهيب المغتصبات عن طريق القانون والتهديد لاخفاء ما تعرضن له. وتقول التقارير صراحة بان السبب الاكبر وراء طرد الحكومة ل 13 من  المنظمات في العام 2009 كان هو الكشف عن حالات الاغتصاب المتكررة في الاقليم. وتشير التقارير الي ان الشبكة التي تم تشكيلها من قبل المنظمات بالتعاون مع النساء والناشطين المحليين للكشف عن حالات الاغتصاب والاسراع في اسعافها قد تم تدميرها بالكامل من قبل الاجهزة الامنية عقب طرد المنظمات. كما تم تخويف المتعاونين المحليين .
وتوضح التقارير ان الحكومة تتعمد تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية بصورة تعاقب المرأة التي لا تستطيع تأكيد حالة الاغتصاب بتهمة الزنا أو القذف التي تعرضها للجلد وربما القتل رجما ، مما يجعل القوانين عائقا كبيرا أمام العدالة يخوف الضحايا من التبليغ عما تعرضن له. ويشير التقرير الي ان القانون يصر علي أجبار النساء علي احضار أربعة شهود رجال لاثبات حالة الاغتصاب ويرفض اعتماد الكشف الطبي لتأكيد الحالة ، بل ان الكشف الطبي نفسه غير مسموح به في معظم الحالات ( أورنيك 8) لانه يتم في المستشفيات الحكومية وباشراف الشرطة ولا تعتمد نتائج الكشف التي تتم خارج المستشفيات الحكومية.
وتمضي التقارير للاقرار بفشل البعثة في مقاومة تلك الظاهرة الممنهجة نسبة لعدة صعوبات قانونية ومهنية تخص البعثة لم يكشف عنها التقرير ، بالاضافة للعراقيل الحكومية والقانونية الي جانب وصمة العار الاجتماعية التي تصعب من اكتشاف النسبة الاغلب من الحالات.

AddThis