Wednesday, December 10, 2014

الطريق الغامض نحو حوار وطني حقيقي وسلام مستدام


خلقت سلسلة من المبادرات، التي طرحت من قبل الحكومة ومجموعات المعارضة والوسطاء الدوليين خلال الأشهر العشر الماضية، بصيص أمل في إمكانية التوصل إلى حل شامل لنزاعات السودان. وقد شملت هذه الخطوات ذات الآفاق الإيجابية: عملية الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس البشير، وإعلان باريس الموقع من قبل حزب الأمة القومي والجبهة الثورية السودانية في 8 أغسطس، واتفاق أديس أببا بشأن الحوار الوطني والعملية الدستورية الموقع في 4 سبتمبر بين ممثلي آلية الحوار الحكومية والموقعين على إعلان باريس، وبيان مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي الصادر في 16 سبتمبر الذي دعا إلى آلية وساطة متزامنة لعمليتين منفصلتين للنزاعين في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان من جهة واقليم دارفور من جهة أخرى. غير أن إنهاء النزاعات المسلحة والخطوات التي تلي ذلك للتوصل لحوار وطني شامل وجامع تظل عصية التحقق بسبب تعنت حزب المؤتمر الوطني الحاكم
الحوار الوطني الشامل والجامع والمسئول هو ذلك الحوار الذي يمكن أن تشارك فيه كل الكيانات السياسية والاجتماعية والدينية صاحبة المصلحة. ويجب أن يكون الهدف الأساسي لأي حوار وطني هو مخاطبة جذور مسببات النزاع في السودان: العلاقة بين المركز والهوامش. وعليه فإن العملية لا يمكن أن تعامل النزاعات المسلحة “ذات الخصوصية” في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان بمعزل عن بعضها البعض. وعوضاً عن ذلك فإن كل القضايا السياسية الوطنية (مثل تقاسم السلطة والثروة، وكتابة الدستور) ينبغي أن ترفّع للمستوى الوطني. وبالإضافة لذلك فإن أي اتفاق يوقع لإنهاء أي قتال ينبغي ألا يمس العملية الوطنية التي ستأخذ مجراها بعد أن تصمت المدافع. وينبغي ضمان مشاركة المجتمع المدني والجمهور منذ البداية، على أن يصاحب ذلك الضمان استثمار دولي في قدرة المجتمع المدني على لعب دور إيجابي
يجب إسناد أية عملية حوار وطني ببيئة مواتية تضمن الحقوق والحريات الدستورية للمواطنين كافة. ولا يمكن إجراء أية عملية ذات مصداقية في الإطار الحالي الذي تنتشر فيه النزاعات المسلحة التي تتخللها الفظائع المرتكبة ضد المدنيين، والانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان والحقوق المدنية والسياسية، وغياب الحريات السياسية. كذلك يجب وقف ما يجري الآن من حبس واعتقال وتعذيب للمعارضين والناشطين السياسيين. وإضافة إلى ذلك فإن الاندفاع نحو إجراء الانتخابات في أبريل 2015 قبل إنهاء النزاعات والاتفاق حول دستور دائم من شأنه إشعال مسببات النزاع لا التخفيف من حدتها. وفوق هذا وذاك فإن المجتمع الدولي ينبغي عدم تحجيمه في زاوية المساندة أو إضفاء الشرعية على أي نوع من أنواع العمليات الانتخابية التي تهدف أساساً لإطالة عمر النظام القائم في الوقت الذي تستمر فيه معاناة المواطنين جراء ذلك

Wednesday, November 12, 2014

المؤتمر الوطني , لم ينجح أحد





في يوم الاثنين الموافق 21 فبراير 2011 و تحديدا بعد اسبوعين من إعلان نتائج إستفتاء تقرير مصير جنوب السودان و كذلك بعد عشرة اشهر من إنتخابات 2010 التي فاز بها البشير, في ذلك اليوم أعلن المؤتمر الوطني رسميا و بالحرف ما يلي نصه
" أعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان اليوم (الاثنين) أن الرئيس عمر البشير لن يرشح نفسه في انتخابات الرئاسة المقبلة والمقررة بعد أربعة أعوام"

و اتبع ذلك تصريح لربيع عبد العاطي القيادي بالموتمر الوطني (طبعا ربيع غني عن التعريف و لو ما عرفته تحسس ال1800 دولار الفي جيبك يا ناكر المعروف) المهم ربيع عبد العاطي صرح حرفيا بالتالي
" نعم .. لن يترشح البشير للانتخابات الرئاسية القادمة ، هذه استراتيجية الحزب في التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة, أن هذا مبدأ يؤمن به المؤتمر الوطني لخلق جو سياسى معافى واستقرار سياسي شامل " ، مؤكدا أن " الحزب لا يسعى لتكرار الوجوه ولا يتمسك بالاسماء وهو قادر على خلق الاف الاسماء ، وان الحزب يسعى لاتاحة الفرصة للاجيال لتلعب دورها السياسي
"
 عبد المنعم السني أمين أمانة الشباب بالمؤتمر الوطني و في 20 فبراير 2011 صرح لصحيفة الرأي العام ان البشير لن يترشح لولاية أخري و اضاف
"أنهم يرغبون فى مزيد من المشاركة بمؤسسات الحزب المختلفة، وكشف وجود رؤية لدى شباب الوطنى، مفادها أن تكون القيادات التنفيذية فى الدولة من الشباب، على أن يتولى أصحاب الخبرات والتجارب الجانب التشريعي والتخطيطي."
وقال السني "هذه المسألة واضحة وتم طرحها للرئيس خلال لقائه بالشباب مؤخرا، وأكد البشير أنه سيقودها بنفسه داخل المؤتمر الوطني" لكن السني أبدى ارتياحه للفرصة الحالية التى يحظى بها الشباب فى الجهازين التشريعي والتنفيذي."

طبعا خليك من الجهجة بتاعت الشباب عايزين يخلوا الجهازين التشريعي و التنفيذي للعواجيز و الكراكيب لكن في نفس الوقت الجهازين ديل مليانين شباب !!! شفت شباب المؤتمر الوطني ديل زاهدين كيف لكن ما يهمنا هنا هو ان قيادي اخر بالحزب اعلن صراحة عدم نية الحزب ترشيح البشير.

طيب دا كلام قيادات الحزب و رأيهم, خلينا نشوف رأي صاحب الشان الريس نفسه قال شنو.

في 21 مايو 2011  و في حوار مع صحيفة الشرق القطرية جدد البشير تمسكه (و احتمال حلف طلاق للصحفي) بعدم الترشح لولاية اخرى و هنا نص سؤال الصحيفة و رد البشير
س: فخامة الرئيس, أعلنتم أنكم لن تترشحوا في الانتخابات الرئاسية القادمة، إلا أن مصادر بحزبكم المؤتمر الوطني قالت إن الخيار ليس بيد الرئيس إنما بيد الحزب, هل إذا تم اختياركم لخوض الانتخابات القادمة ستوافقون؟
- ج :في الانتخابات القادمة أكون قد أكملت (26) عاماً في الرئاسة، والعمر سيكون (71) عاماً، والعمر في فترة الحكم، وخاصة في حكم الإنقاذ، السنة ليست بسنة، فحجم التحديات والمشاكل التي واجهناها كبيرة، بالقطع أن (26) سنة في الحكم هي أكثر مما يجب, سواء بالنسبة للشخص أو بالنسبة للشعب السوداني.
نحن نعمل على أن يقدم المؤتمر مرشحاً جديداً، فنحن لدينا حزب مطمئنون إليه جداً، لديه قاعدة وقاعدة شبابية تحديداً، فالحزب حزب شاب، ولدينا العشرات من الكوادر الشبابية المؤهلة للترشح لرئاسة الجمهورية.
بالنسبة لي فإن قرار عدم الترشح للرئاسة قرار نهائي، وفترة السنوات الأربع القادمة كافية لترتيب الأوضاع داخل الحزب لتقديم قيادة جديدة في الانتخابات القادمة.
س :لكن هناك من اتهمكم بأن إعلانكم عدم الترشح ما هو إلا مناورة؟
- ج: أقول لك إن الحكم في السودان ليس نزهة، هو بكل المقاييس أمانة ثقيلة جداً، ولو راقبت الفضائيات فإن السودان حاضر باستمرار، ولا يمكن ان تمر نشرة إخبارية دون أن يكون للسودان خبر فيها، وهذا حجم التآمر على السودان.
السودان بحد ذاته بحاجة إلى طاقات من الشباب خلال المرحلة المقبلة، فمن المهم تجديد الطاقات لقيادة هذا البلد إلى الأمام.

اذا الحزب اعلنها صراحة انه لن يرشح البشير لدورة اخرى لان الحزب ما شاء الله اللهم لا حسد على حسب تعبير عبد العاطي ملياااان كفاءات و وجوه شابة شابة كمان قدرها سعادته بالالاف. و زيادة على ذلك سيد الشيء نفسه اعلن انه خلال عجز و كركب و ما بقى له في العمر باقي (و كانه تنبأ بهلهلة ركبه قبل 3 اعوام). المهم عزيز القارئ اقتنعت ان المؤتمر الوطني اعلنها صراحة ان الحزب لن يرشح البشير لانتخابات 2015 والا لسة عندك شك !!!

لو عندك شك ازيدك من الشعر بيت و من 2014 كمان

امين حسن عمر و في 29 سبتمبر 2014 (يعني قريباااات دي) اعلن ما يقول بعدم نيته الترشح لرئاسة الحزب والانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال "إن موقف البشير يعبر عن قناعة عامة في الحزب بالإفساح لقيادات جديدة، ومواصلة الإصلاح وتجديد الدماء."


طيب بعد كل هذا التأكيد على عدم ترشح البشير ما الذي استجد و لما تغير الموقف بين عشية و ضحاها و اعلن الحزب ان مرشحه لانتخابات 2015 هو البشير.


المؤتمر الوطني يقبع على رأس السلطة لربع قرن من الزمان و خلال هذه الاعوام طوع و كرس كل امكانيات الدولة في يده كوادره و افراده حتى الاجهزة الامنية صارت تأتمر بأمر المؤتمر الوطني. في نفس الوقت ازاح المؤتمر الوطني كل الاحزاب من الساحة و شق صفوفها و انهك قواها و صار هو الوحيد الذي في الصورة.

و لا ننسى ان المؤتمر الوطني تأسس تحت فكرة ان يكون هو الحزب الواحد الجامع لكل الوان الطيف السياسي في السودان تحت مظلته عندما الغت حكومة الانقاذ نشاط الاحزاب بعد اغتصابها السلطة.

فهل يعقل ان تتوفر كل هذه الامكانيات للحزب و مع ذلك يفشل في ترشيح اسم واحد للرئاسة غير البشير !!!

اين الكوادر المليونية التي يتباهى بها قيادات المؤتمر الوطني كل الوقت و اين هم رجاله الوطنيون الذي لا لدنيا قد عملوا ؟

المؤتمر الوطني و نظامه الحاكم لا يعبأ للمواطن و لا يعير له اهتماما و لذلك لو اعلن الحزب ان مرشحه هو البشير كدا بس قوة عين لفهمناها لكن ان تساق مبررات لا في السماء لا في الواطة لتصور لنا ان ترشح البشير هو الخيار الامثل لمستقبل السودان فهذا عجب عجاب !!! و الغريب ان كل هذه المبررات تضعف قوة الحزب المزعومة و تؤكد انه ماشي بالبركة ساي و لك عزيزي جملة من هذه التبريرات التي ساقها قيادات الحزب:

صرح عدد من قيادات المؤتمر الوطني ان ترشح البشير يعني تماسك المجتمع و استقراره و انه يحافظ على كيان الدولة السودانية في وجه المؤامرات الدولية و الكونية التي تسعى لتركيع السودان !!! نفس الاسطوانة المشروخة التي يرددها كل الطواغيت بتاعت احنا دولة محور و العالم ما عنده هم الا احنا. لكن دقيقة وين هي وحدة البلد اللي البشير حققها و استمراره يعني استمرارها !!! خليك من انفصال الجنوب و الحرب الهنا و هناك و وريني كدا مع الجهوية و العنصرية الكرسها المؤتمر الوطني و نظامه في البلد (باعتراف قياداته و منهم المتعافي اللي صرح بوضوح ان نظامه كرس الجهوية و القبلية) المهم مع كل التفتت الحاصل دا و الهجرات المليونية للمواطنين وين ياربي الوحدة و التماسك و النسيج الوطني المزعوم

تبرير تاني بيقول ان الازدهار و التطور و البحبحة و الرفاهية العايش فيها المواطن دي كلها بسبب البشير و ان استمراره يعني استمرارك عزيزي القارئ في نعيم الرفاهية المفرطة. طيب وين الحزب و قواعده و كوادره و مؤسساته و كيف يعني كل الانجازات دي انجازات البشير لوحده !!! مش مفروض دا عمل مؤسسات الحزب كله و ان الانجازات الهلامية دي تعبر عن الحزب ككيان لا اشخاص ؟؟ طيب ما دام البشير محرك عجلة التنمية لوحده كدا لازمتها شنو المناصب و المؤسسات و المصاريف و المؤتمرات !!! يعني الواحد منهم يسئ لكيان الحزب و يستحقر دوره عشان يبرر لشخص !!! هو الزول دا ماسك عليكم افلام ما كويسة و الا شنو !!! ما هو لو في انجازات و ازدهار على قولكم يبقى دا عمل الحزب و اي زول ترشحوه حيواصل المسيرة المقدسة دي

اما اغرب تبرير و البيخليك تحس ان السودان دا ابدا ما بلد و دولة في نظر الناس ديل لكن عبارة عن قعدة كوشتية او ضمنة تحت ظل شجرة الا و هو ان البشير ضحى بالكثير في سبيل هذا البلد و لهذا الشعب لدرجة انه حاليا مطارد و ملاحق من المحاكم الدولية التي لا تريد لنا و لا لبلدنا خيرا فكيف بعد كل هذه التجليات نتخلى عن هذا البطل المغوار !!! انها ليست من المرؤة و لا النخوة ان نتخلى عن الرجل بعد كل ما عمله لاجلنا !!! بالله شوف الكلام دا كيف عليك الله , يعني بلد طول في عرض سكانها 30 مليون او يزيد يقوم الحزب يربط مصير كل ذلك بشخص واحد لانه في لحظة من اللحظات عمل خير على قولهم للبلد !!! نظرة كلها استحقار و استخفاف بمصير الناس. زي واحد عربيته كركعوبة و كل يوم ماشي بيها المنطقة الصناعية و خسران فيها العنده كله و يقولك لكن العربية دي عشرة عمر و ياما شالتني في وقت الضيق ما بقدر اتخلى عنها !!! طبعا في الحقيقة عمك ما عنده طريقة و لا قدرة و لا امكانيات يغير العربية و عشان كدا مستحمل مشاكلها و بيبرر بموضوع العشرة دا. يا ناس المؤتمر الوطني لو ما عندكم بديل للزول قولوا بلاش نخوة و عشرة و كلام خارم بارم معاكم.

لا عجب ان نظام المؤتمر الوطني فشل و يفشل كل يوم في قيادة هذا السودان و لا عجب انه فشل في كل الامتحانات التى خاضتها البلاد تحت حكمه لان الفشل يقبع بين جدران الحزب. فحزب فشل في الالتزام بكلمته و تعهده للشعب بتقديم مرشح جديد من باب اولى ان يفشل في ادارة البلاد و العباد. و هذا الفشل في تقديم مرشح واضح و جلي انه لا لسبب الا لانعدام الرؤية و البدائل في الحزب رغم كوادره المليونية كما يزعمون.
(لاحظ كررت ليك كلمة الفشل دي كم مرة في الجملتين الفاتو دي !!! مش عبد الرحيم محمد حسين قال الفشل يولد الفشل !! اهو من السنتكم )

المؤتمر الوطني اوهم الناس ان مظلته الكبرى و هي الحركة الاسلامية ستنمو و تتمدد و سيعتنق الناس فكرها و ايدولوجيتها في شتى الدول الاسلامية فبالله عليكم كيف يمكن ان تنشر فكر و انت غير قادر حتى على تقديم شخصيات محترمة تمثل هذا الكيان.

ختاما للمقال اشير للحوار الذي اجرته صحيفة الشرق القطرية مع البشير في مايو 2011 و لمذكور اعلاه و اقتبس منه سؤال و جوابه

س: فخامة الرئيس، أنشأتَ مفوضية للمحافظة على المال العام، لكن إلى الآن هناك شكاوى من وجود مخالفات وبؤر فساد.. كيف يسير عمل هذه المفوضية أولاً وكيف يمكن - ثانياً - استئصال بؤر الفساد؟
-
 ج : "أولاً نؤكد أن لدينا من المؤسسات والقوانين القائمة الآن للحفاظ على المال العام ما ليس موجوداً بأي بلد في المنطقة، فمثلاً لدينا المراجع العام لحكومة السودان، وهو المراجع الوحيد في المنطقة العربية والأفريقية الذي سنويا يقدم تقريره أولاً للبرلمان، لا يقدمه لا لرئيس الجمهورية ولا إلى مجلس البرلمان، وعندما يناقش هذا التقرير أمام البرلمان فيه تجاوزات أو ما يمكن تسميته بالمخالفات الإدارية أكثر من كونها تجاوزات، وهذه المخالفات تصحح على المستوى الإداري، وفي بعض المرات في ما يتعلق بالميزانية مثلا تكون المخالفة بأن تم صرف من بند إلى بند، والميزانية بعد أن يجيزها البرلمان الحكومة ليس لديها الحق في تغيير الصرف من بند إلى بند إلا بالرجوع إلى البرلمان مرة أخرى، في الغالب فإن تقرير المراجع العام يتحدث عن مثل هذه التجاوزات، لكن كلها يسميها الاعتداء على المال العام، فالتسمية نفسها تشعر أن هناك هجوماً حدث على المال العام، لكنها في الغالب تمثل مخالفات إدارية كما أشرت لكم بذلك، أو في عدم الالتزام باللوائح المحاسبية والمالية"
                                                        
 من هذا المنبر اقول لكم انتخبوا البشير لان في عهد الميمون صار لدينا مراجع عام يقدم تقرير تحتوي صفحاته لعبارة "و قد رفضت كل الجهات و المصالح الحكومية مراجعتنا و الله ولي التوفيق"

و دمتم سالمين 


Sunday, September 28, 2014

الأبداع بوصفه مقاومة, ألابداع من أجل التعافي



أعلنت المنظمة الرائدة المناصرة للديمقراطية، المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً (SFDG)، اليوم عن إطلاق حملة بمناسبة الذكرى الثالثة لعودة الحرب الأهلية إلى النيل الأزرق وجبال النوبة/جنوب كردفان. وتتضمن الحملة مجموعة من الملصقات تدعو إلى وضع حد للقصف الجوي ضد المدنيين الذي ترتكيه الحكومة السودانية في المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين وعلى المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس التي تخدم هؤلاء المدنيين. وستصدر المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً خلال الشهر مواد أخرى، بما في ذلك أشرطة فيديو، ورسومات خطتها يد الأطفال المتأثرين بالنزاع، وكتيب يضم روايات الضحايا من النساء، وأوراق موجزة؛ وجميعها توثّق ظروف المعيشة القاسية التي ما يزال يكابدها السودانيون المتأثرون بالحرب داخل البلاد وفي مخيمات اللاجئين. وقد لاحظ الدكتور سليمان بلدو، المدير التنفيذي للمجموعة السودانية للديمقراطية أولاً أن السودان “وافق مؤخرا على فتح ممرات إنسانية لإغاثة مواطني جمهورية جنوب السودان النازحين بسبب النزاع في بلادهم، وأرسل الإمدادات إلى ضحايا القصف الإسرائيلي في غزة”. ثم أضاف “لكن من يخفف من معاناة السودانيين الذين وجدوا أنفسهم خلف خطوط المتمردين أو أولئك الذين أجبروا على ترك ديارهم؟”.

عقدت المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً في الفترة من 18  يوليو إلى 23 أغسطس 2014، بالتعاون مع الفنان السوداني الأمريكي خالد كودي، فضلاً عن النساء والرجال والأطفال في المناطق المتأثرة بالحرب في جبال النوبة/ جنوب كردفان والنيل الأزرق وفي مخيمات اللاجئين في جنوب السودان، ورش عمل للمعلمين والأخصائيين الاجتماعيين وعمال الإغاثة حول كيفية تطبيق العلاج بالفن من خلال استخدام المواد المحلية من أجل معالجة الضغط والصدمات النفسية التي يمر بها الناجون من القصف يومياً.
طاف خالد كودي على جبال النوبة/جنوب كردفان وعلى مخيمات جنوب السودان التي تستضيف اللاجئين من النيل الأزرق وجنوب كردفان بعد ثلاثة أشهر من إطلاق حكومة السودان عملية “الصيف الحاسم” بهدف إنهاء التمرد في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة/جنوب كردفان. وقد كثفت حكومة السودان منذ ذلك الوقت حملتها العسكرية، مستهدفة التجمعات المدنية، مما يمثل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني. وقد شمل هذا، في جنوب كردفان، قصف القرى، وقصف عيادتين، ومكاتب المنظمات الإنسانية المحلية الرئيسية، ومستشفى أم الرحمة في قديل بالقرب من كاودا. هذا القصف يحرم قُدماَ منطقة ظلت مهمشة تاريخياً من مواردها البشرية وبنيتها التحتية المحدودة أصلاً.
استمرت حكومة السودان أيضا في استخدام الجوع كسلاح في الحرب، من خلال عرقلة حصول السكان المحليين على المساعدات الإنسانية، ما يمثل مرة ​​أخرى انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني. كذلك عطل القصف الأنشطة الزراعية في المنطقة، مما يفاقم من تقويض الأمن الغذائي.
في كاودا، نظم خالد كودي ورشة عمل لمدة أربعة أيام، شارك فيها أكثر من 60 من النساء والأطفال والرجال. وأنتج الأطفال دون سن العاشرة أعمالاً فنية حول أحلامهم، ومخاوفهم، وهواجسهم. واستخدم البالغون لغة الفن للتعبير عن أفكارهم بحرية. وكجزء من حملة مناهضة القصف، حدد كودي وأعضاء المجتمع المحلي البنيات المدنية والمواقع التي تعرضت للقصف، ثم وقف أعضاء المجتمع أمامها حاملين لافتات مناهضة للقصف. وقد عبرت المجتمعات المحلية في تلك المناطق التي تعرضت للقصف عن تقديرهم العميق لهذا النشاط.

 كذلك نظم خالد كودي ورش عمل في ييدا، مخيم اللاجئين في جنوب السودان الذي يستضيف 68,000 لاجئ، معظمهم من جبال النوبة/جنوب كردفان. واستهدفت ورشة عمل أخرى مشاركين من معسكرات  جندراسا، ويوسف باتل، وكايا و دورو في منطقة المابان بجنوب السودان. ويعيش في هذه المخيمات حوالي 127,715 لاجئ من النيل الأزرق وجبال النوبة/جنوب كردفان. ويتصارع اللاجئون في هذه المخيمات مع المجتمع المضيف على الموارد الشحيحة. وقد عمل كودي مع الشباب من هذه المخيمات على كيفية إنتاج أعمال فنية من المواد المهملة والمعاد تدويرها، وإنتاج الأعمال الفنية ثنائية الأبعاد، والفن البيئي.
العودة إلى جبال النوبة حلم تحقق، وتجربة تغير الحياة” قال خالد كودي الذي يُدرّس الفنون الجميلة في كلية بوسطن، وهو زميل في برنامج أساتذة الفنون الأمريكيين الأفارقة في جامعة نورث إيسترن في الولايات المتحدة. ويسلط فنه، بما في ذلك قصف مدرسة في كاودا في مطلع هذا القرن، الضوء على الفظائع وعلى أحلام الناس في المناطق المتأثرة بالحرب في السودان. “لقد تعلمت من أهل كاودا، واللاجئين في مخيمات ييدا والمابان، بقدر ما تقاسمت معهم. هؤلاء أناس أظهروا الشجاعة والكرامة والصمود في مواجهة الإرهاب .”

وتهدف المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً من خلال هذه الحملة، إلى توصيل رسالة أهل كاودا، وأولئك الذين أجبروا على الفرار إلى جنوب السودان، إلى حكومة السودان، وإلى المجتمع الدولي:  قصف المدنيين يجب أن يتوقف. وينبغي على المنظمات الدولية، ووكالات الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني السودانية، والسياسيين دعم هذه الرسالة بصرامة.

Wednesday, September 3, 2014

التضحيات تجلب المعجزات




لا كثير يمكن ان يقال و نحن على اعتاب العام منذ ان فارق الحياة شهداء سبتمبر الماضي
و ما بين ذلك السبتمبر و هذا السبتمبر عاني الوطن ما عاني و فاضت عديد الارواح بالرصاص و البراميل البارود و بسبب العيش في العراء او عدم توفر اللقمة او العلاج
مر العام و قد قضاه عشرات الشباب بين السجون و المحاكم بعد ان سعوا للتغيير و ان يشاهدوا الغد المشرق الذي من منا لا يتمناه
انقضى العام و قد لم يدان من رفع سلاحه او اطلق رصاصه على اجساد من كان ذنبهم انهم ينشدون نعيم الحياة فكلفهم ذلك كل الحياة

ما بين ذاك العام و هذا الحالي غرق العشرات هاجر الالاف تشرد العديد. ضاق العيش و زاد الكرب و صارت الهموم هي فقط ما يملأ راس المواطن الملكوم

ليست هذه التدوينة عن الوضع السياسي او الاجتماعي او نقضه و لكنها رد على بعض السلبيين و المرجفين في المدينة ممن لا يفتأون يذكروننا بعدم جدوى البحث عن التغيير و عن ان عدم حكمة و رجاحة عقل من يضيع وقته متعقبا ذلك الغيير المستحيل
تجاوز هؤلاء كل حدود الاحترام و كل قواعد الانصاف عندما ادعوا ان ارواح شهداء فاضت هباء مهدورا

الرد هو اسطر بسيطة من مقال المهندس المصري يحيى حسين عبد الهادي عضو في حركة كفاية التي كانت جسدا صغيرا تتلاطمه امواج قمع النظام في وقتها و لكن اعضائها امنؤا بالمبدأ و سعوا و رائه و لاحقوه حتى حصل التغيير في يناير 2011
و مهما يكون رأيك في الاحداث المصرية فلا احد يستطيع ان ينكر ان التغيير الذي حدث في 2011 كان عظيما

اختصارا فالمهندس حسن يحيى قد كتب بحرقة ردا عن المرجفون و المتطاولون على حركة كفاية و على الجهد الذي بذله اعضائها في وقت كان ذلك يعتبر انتحارا, كتب التالي
كان لاعضاء حركة كفاية قبل ذلك مستقراً فى حياته، وبعضُهم أعلام فى مجالاتهم.. وعندما طَفَح الكيل وظهر الفساد فى البر والبحر والجو وبدا واضحاً أن رأس النظام مُصّر على الاستمرار فى حُكمه المزوّر حتى آخر نَفَس فى صدره ثم يُورّثه لابنه محدود الكفاءة والموهبة.. كان يمكنهم أن يكتفوا بمقاومة هذه الإهانة وهذا الفساد والاستبداد بقلوبهم وهو أضعف الإيمان.. لكنهم أَبَواْ أن يكتفوا بمصمصة الشفاه.. فخلَعوا أرديتهم وانتماءاتهم السياسية ولم يتدثروا إلا برداء الوطن.. وشكّلوا هذه الحركة النبيلة.. وفاجأوا مصر والعالم بهتافهم المدوّى.. لا للتمديد.. لا للتوريث.. وظلوا سنوات يقفون بأعدادهم القليلة على سلّم نقابة الصحفيين، كفرض كفاية عن ملايين المصريين.. كانوا ينوبون عن شعب بأكمله.. ووصَل الأمر أحياناً لأن يقف محمد عبدالقدوس وحيداً حاملاً ميكروفونه فى يد وعَلَمَ مصر فى اليد الأخرى.. وبينما جحافل الأمن المركزى (المغلوبة على أمرها) تسحقنا فى تظاهراتنا القليلة العدد، كان كبار الكفائيين كعبدالوهاب المسيرى يصرون على أن نهتف ونحن نتساقط.. سلمية.. سلمية.. كان كل منّا على ثغر من ثغور الوطن يذود عنه.. وكان الثغر الذى تشرّفتُ مع آخرين بالذود عنه هو جبهة المال العام الذى تداعى عليه الأَكَلةُ من مصاصى الدماء.. وانبثقت من كفاية كل حركات المقاومة فى نهايات عصر مبارك.

فى البداية تعامل المصريون مع هذه الثُلّة المجاهدة بالدهشة.. ثم تحولت الدهشة إلى إشفاق.. وتحوّل الإشفاقُ إلى إعجاب.. ثم تحوّل الإعجابُ إلى تضامن.. وتحوّل التضامن إلى انضمام.. ثم احتضنتهم مصرُ وذابوا هم بين الملايين التى نزلت إلى الميادين لتخلع الطاغية.

نسأل الله تعالى أن يتقبل ما دفعه أبطال كفاية من أثمان من أجل هذا الوطن المبتلى.. أثمان يعرف المصريون بعضها، كالثمن الذى دَفَعَه أحد منسقى حركة كفاية العظام.. العالم الوطنى الجليل الدكتور عبدالوهاب المسيرى عندما اختُطف من ميدان السيدة زينب وهو فى السبعين من عمره مريضاً بالسرطان، وأُلقى فى الصحراء مع زوجته العالمة الجليلة الدكتورة هدى حجازى فى برد يناير، فأُصيب بالتهاب رئوى شديد ومات بعد ذلك بستة شهور. وكالثمن الذى دَفَعَه منسق آخر لهذه الحركة النبيلة الصحفى الوطنى الدكتور عبدالحليم قنديل الذى ضُرِب ضرباً مُبّرحاً ثم تم تجريده من ملابسه وتُرِك فى منطقة نائية فى ليلة قارسة البرودة، مع تحذير له بألا ينتقد مظاهر التوريث مرةً أخرى.
وغير ذلك من أثمان دفعها رموز كفاية المشهورون، فضلاً عن أثمان أخرى دفَعَها المئاتُ من شباب كفاية ومجهوليها دون أن يشعر بهم أحد.

عودة إلى السيرة العطرة.. سيرة كفاية.. فمنذ أيام سألتنى صغرى أبنائى بأسىً (لقد أفنيتم عمركم فى سبيل الوطن الذى تغرسون فينا محبته ولم تأخذوا من حطام الدنيا شيئاً إلا السمعة.. وها هم الفاسدون الذين قاومتموهم يعودون أكثر تبجحاً ويتهمونكم بما هم متهَمون به.. ففيمَ كان النضال؟).. فقلتُ لها : يا ابنتى.. بعد عشرين عاماً من المقاومة غير المتكافئة من البطل عمر المختار وصحبه ضد الاحتلال الإيطالى.. وبعد أن خان من خان، وباع من باع، وأطبق المستعمرون على الثُلّة القليلة المتبقية.. سأله أحدُ الصامدين معه (لماذا نستمر فى المقاومة واحتمالاتُ النصر منعدمة؟)، فأجابه البطل الثمانينى (لكى يفخر أحفادنا ويقولوا عندما يتحدثون عن زماننا: كان هناك رجال). فلا تجزعى يا بُنيّتى مِن هذا التطاولِ مدفوعِ الثمن الذى ينفجر فى وجوهنا، ويظن أنه يستطيع إعادة كتابة التاريخ على هواه.. سيذهب أبوكِ وزملاؤه فى كفاية إلى دار الحق.. وسيذهب مبارك وأعوانه ومحاموه وإعلاميوه ومذيعاته وفضائياته واستوديوهاته التحليلية وكل هذا الغثاء.. وسيذهب العجوز المتطاول، ويَبلَى الروبُ الذى يرتديه والنقود التى يتقاضاها.. وستجلسين إلى أحفادك ذات يوم يسألونكِ، كيف تجرّأ هذا النظام الفاسد المستبد على مصر فى هذه الفترة المخصومة من عمر الوطن وسعى للتوريث دون أدنى اعتبار للشعب، ألم يكن هناك من يقاوم؟.. عندها ستتذكرين أباك وزملاءه وتترحمين عليهم ثم تتسع ابتسامتُك وتقولين لأحفادك بفخر (لا.. لقد كان هناك رجال).. يُرضينا ويكفينا أن يكون هذا نصيبَنا من الدنيا.

اتصور ان هذا رد كافي لمن القى السمع و هو شهيد

                                         مقال المهندس حسن يحيى كاملا هنا


و دمتم سالمين

Sunday, August 17, 2014

صعود وسقوط (المشروع الحضاري)





في ذكراها الخامسة والعشرين، ما الذي جنته الحركة الإسلامية بعد أن إختطفت السلطة السياسية بطريقة غير شرعية في 30 من يونيو 1989؟ ففي 2014 يبدو واضحاً أن “المشروع الحضاري” وسرديته الكبرى قد شبعا موتاً، كما أقرّ مسئول حكومي بارز. والنظام يعلم ذلك. فقد تجاهلوا كلية في السنوات القليلة الماضية الذكرى السنوية للثلاثين من يونيو، في إعتراف غير مباشر أن لا سبب للإحتفال.

ذكر قائد الإنقلاب، الذي أصبح رئيساً للبلاد، في بيانه الأول في 30 يونيو 1989 أن أسباب إنقلابه هي الفساد، والفوضى السياسية، وعدم الكفاءة وعدم دعم الجيش في دفاعه عن جنوب السودان. لكن مدبري الإنقلاب كانوا يتحركون في الواقع بتعليمات من الجبهة الإسلامية القومية القوية وقتها، وكان للنظام الذي أقاموه جداول أعمال خفية تثير الإعجاب. إذ سيصبح السودان نموذجاً لأول خلافة إسلامية حديثة، وهي سردية تمثّل نقيضاً بائساً لـ”النظام العالمي الجديد” الذي بسط هيمنته على العالم عقب سقوط سور برلين.
كان المشروع الحضاري للجبهة القومية الإسلامية يوتوبيا شاملة حقيقية تبدأ من الوطن وتنتشر إلى كل مكان في العالم تشكل فيه مجتمعات المسلمين أغلبية عددية، أو أقلية مضطهدة. وسيسعى إلى تمكين الجماعات الإسلامية الراديكالية ذات التوجه المشابه عبر العالم ينظّمها ويعبّئها لتستلم السلطة في بلدانها.

ولكي يحدث هذا، كان على إسلاميي السودان أن يقودوا المسيرة من خلال السيطرة التامة على كافة مقاليد الأمن والسلطة السياسية والاقتصادية في البلاد. فاستلم نائب الرئيس السابق علي عثمان محمد طه، أحد مدبري خطة الإنقلاب، ما سُمّي عن حق “وزارة التخطيط الاجتماعي” التي رمت إلى تحويل أهل السودان إلى ما تصورته لهم الجبهة الإسلامية القومية. وسوف يتم ذلك من خلال حقن جرعات عالية من الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة في مناهج المدارس، من رياض الأطفال إلى الجامعات. وقد أثبتت وسائل الإعلام التي تهيمن عليها الدولة، والتدريب الإلزامي لكافة العاملين في القطاع العام فاعلية عالية في تلقين عدد متزايد من السودانيين ايديولوجيا الحركة الاسلامية الجهادية.

كان غسل دماغ الشباب السوداني ناجحاً. فقد أرسل النظام، في أوج قوته في التسعينيات، آلاف المتطوعين الشباب، معظمهم من قطاع طلاب وشباب الجبهة الإسلامية القومية، وآلاف آخرين من طلاب المدارس الثانوية والجامعات ممن جُنّدوا قسراً لشن حملة جهادية، حفّها الإحتفاء الشديد، في جنوب السودان. صوّرت الدعاية الجهادية متمردي الحركة الشعبية/الجيش لتحرير السودان كعملاء أشرار للكنيسة، والامبريالية الأمريكية، والصهيونية، وهي العقبات الرئيسية أمام تحقيق يوتوبيا الدولة الإسلامية الحديثة في السودان.
واليوم يتساءل الأعضاء الُمنشقّون من القطاع الشبابي الجهادي للحركة الاسلامية علناً ما إذا كان عشرون ألفاً من شباب الجبهة الإسلامية القومية “الذين أُستشهدوا” في “مراعي القتل” في جنوب السودان قد أُستخدموا لمجرد تمكين الحلقات الضيقة في سلطة الاسلاميين من الانغماس في المحسوبية، والفساد، والاستبداد.




سقوط المشروع

مع إنحدار المشروع في التحلل الأخلاقي، أصبحت الفظائع الجماعية ونهب الأموال عامة أمراً شائعاً. والحركة الإسلامية التي هندست صعودها إلى السلطة ما هي اليوم إلا شبح لذاتها السالفة. فقد انشقت أربع فصائل على الأقل في السنتين الماضيتين ونصّبت نفسها كمجموعات معارضة بعد محاولات فاشلة لإصلاح الحركة من داخلها.
أصبح الفساد مما تأذن به الدولة. واليوم يصعب التمييز بين الدولة والحزب الحاكم. وقد أُختزلت الحركة الإسلامية، التي قُصد منها السيطرة على كليهما، إلى بيرواقراطية مختلة وظيفياً. عمت الفوضى السياسية البلاد، وامتدت الحرب التي شنت يوماً في جنوب السودان إلى أقاليم أخرى من البلاد. دُوّلت نزاعات السودان الداخلية. وانفصل جنوب السودان. ومن الناحية الإقتصادية تبني النظام أشد سياسات النيوليبرالية قسوة، مما أحال معظم أهل البلاد إلى فقراء. وارتكب النظام، لكي يحافظ على السلطة، إنتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 2009 و2010 مذكرتي إعتقال ضد البشير تتهمه بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية اقترفتها القوات المسلحة السودانية والمليشيات المتحالفة معها في دارفور.
أصبح السودان على المستوى الإقليمي مصدراً لعدم الاستقرار لجيرانه. فقد تحالف في البداية مع الراديكاليين المصريين في محاولتهم الفاشلة لاغتيال الرئيس السابق حسني مبارك في 1995. ثم ساند في السنة الماضية متمردي السيليكا للاستيلاء على السلطة في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة، وهو تدخل لم يجد سوى القليل من الإدانة الدولية.

أقلق الطموح السوداني الامبريالي الصغير للمشروع الحضاري بعض القوي الغربية. ففي أيام أوج المشروع فتح السودان حدوده لطائفة من المجموعات الإرهابية ليصدر آلاف الهويات ووثائق السفر السودانية للمقاتلين العرب السابقين في حرب أفغانستان الأولى. فوجدت المجموعات الإرهابية والأفراد الإرهابيين الذين يعملون لحسابهم مثل أبو نضال وإيليتش راميرز سانشيز (كارلوس)، وبالطبع أسامة بن لادن ملاذاً آمناً في البلاد. وقد صحب بن لادن آلاف من الأفغان العرب الذين شغلوا وظائف في شركاته الإنشائية والزراعية وقتها، لكنهم عملوا في وقت فراغهم على تقويض الحكومات في المنطقة. وقد كان هذا الحضور المثير للاضطراب هو سلف القاعدة، “قاعدة بيانات” للأشخاص ذوي المعتقدات المشتركة، وللموارد والقدرات، مع احتفاظ كل وحدة باستقلالها الوطني، واسهامها، في نفس الوقت، في الهدف المشترك المتمثل في إحياء خلافة العصر الحديث. وهذا يفسر إلى حد كبير لماذا أصبح السودان دولة منبوذة. فقد ضُمّ السودان في 1993 إلى القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب. وفي 1997 فرضت الولايات المتحدة عقوبات إقتصادية وتجارية ومالية شاملة على السودان.
كيف تمكن النظام بالرغم من هذا السجل البائس من الحفاظ على السلطة لخمس وعشرين سنة؟





قمع المنشقين

قام إنقلاب 1989 بحل البرلمان المنتخب على الفور، وحظر الأحزاب السياسية والنقابات، وأغلق الصحف، واعتقل القادة السياسيين. وعلق مجلس قيادة الثورة، الكيان السياسي للنظام الجديد، دستور 1985، ومارس الحكم من ثمّ من خلال المراسيم. وقد أعلن المرسوم الدستوري الثاني حالة الطوارئ في كافة أنحاء البلاد.
تبع هذه الإجراءات الدراكولية قمع منهجي قُصد منه قمع هوية وإنسانية الشعب. وقد هدد البشير في تجمّع جماهيري في 1989: “أقسم هنا أمامكم أن نطهر صفوفنا من الخونة، والمأجورين، وأعداء الشعب والقوات المسلحة … أي شخص يخون هذه الأمة لا يستحق شرف الحياة.”
وإعمالاً لكلمات الرئيس، شن جهاز أمن النظام حملة “أمنية استباقية” شرسة. إذ اعتقل عملاء الأمن آلافاً من من النقابيين، ونشطاء المجتمع المدني والنشطاء السياسيين الذين نجحوا مرتين في تاريخ سودان ما بعد الاستقلال في إسقاط الأنظمة العسكرية من خلال العصيان المدني السلمي. وأُرسل المعتقلون إلى “بيوت الأشباح”، وهي مراكز إعتقال غير رسمية، وتعرضوا للتعذيب ببساطة بسبب ما يمثلونه في نظر النظام. وقد كان مركز النديم، في القاهرة، بين مجموعات حقوق الإنسان الرائدة في توثيق هذه الممارسات. فبين عامي 1993 و2002 عالج المركز 1324 من ضحايا التعذيب السودانيين. ووجد مئات آخرين من الضحايا الاستشارة النفسية والعلاج الطبي في المملكة المتحدة وأماكن أخرى من العالم.
بحلول منتصف التسعينيات كان النظام قد نجح في سحق أي شكل من المقاومة المدنية والمسلحة في الخرطوم. فغادر آلاف من نشطاء المجتمع المدني وساسة المعارضة البلاد، وبدءوا مقاومة المنفى.





التمكين

نهض نجاح النظام في بدايته على سياسة “تمكين” معقدة. وقد إتخذ تحقيق هذه السياسة عدة صور. أحدها كان تعيين أعضاء الجبهة الإسلامية القومية في كافة قطاعات الدولة. ولكي يتمكنوا من ذلك كان عليهم أن يتخلصوا من كل أعدائهم، الحقيقيين أو المتخيلين. وما كان ممكناً تطبيق هذه السياسة ما لم تتم غربلة الخدمة المدنية، والقضاء، والشرطة والجيش.

كان الجيش السوداني المهني حينها يمثل تهديداً للجبهة الإسلامية القومية. فتم فصل 500 ضابط من الجيش بعد شهور قليلة من الإنقلاب. وقد قامت الجبهة الإسلامية القومية في الفترة من 1989 إلى 2000 بتغيير شامل في بنية الجيش في السودان. إذ فصلوا ما يُقدّر بـ 4000 ضابط من مختلف الرتب. وفصل النظام تدريجياً الآلاف من موظفي الخدمة المدنية من مدرسين، وقضاة، ومهندسين، وأطباء، وأساتذة جامعات، وعمال. وطبقاً لبحث موثوق أجراه الصحفي السوداني السر سيد أحمد ونُشر في جريدة الشرق الأوسط في 20 مايو 2001، لم يتجاوز إجمالي عدد موظفي الخدمة المدنية المفصولين خلال 85 عاماً منذ 1904 إلى 1989 رقم الـ 32,419، في حين فصلت الجبهة الإسلامية القومية في عشر سنوات من 1989 إلى 1999 ما يقارب الـ 73,640 من هؤلاء العاملين.

هذا الفصل الواسع من الخدمة غير مسبوق في تاريخ البلاد. وقد عُيّن الموالون بغض النظر عن مهاراتهم، ومؤهلاتهم، وخبراتهم. وحوّلت الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة السودانية التي كانت تقوم إلى حد كبير على أساس الكفاءة إلى كيانات تقوم على المحاباة.

تشكّل التمكين الإقتصادي من خصخصة الشركات المملوكة للدولة باسعار زهيدة وبيعها إلى أعضاء ومناصري الجبهة الإسلامية القومية وأسرهم وأبناء عشائرهم. وقد أجبرت العائلات السودانية العاملة تقليدياً في مجالات الأعمال والشركات المستقلة على السماح لمؤسسات الأعمال التي تهمين عليها الجبهة الإسلامية القومية بالحصول على حصة من القطاعات التي يعملون فيها، أو المخاطرة بإجبارهم على الخروج من السوق إذا قاوموا ذلك. وتظل مؤسسات الأعمال الإسلامية تتمتع بإمتيازات خلقت تشوهات هيكلية كبيرة في إقتصاد السوق: إعفاءات واسعة من ضرائب الأعمال ومن الجمارك والرسوم، وإحتكار التعاقدات مع الدولة التي لم يكن يتم الحصول عليها إلا من خلال المناقصات العامة إلخ. ولكي تتأهل الشركات لهذه الإعفاءات عليها دفع مساهمات مالية كبيرة إلى الدفاع الشعبي وغيره من الكيانات الجهادية التي لا تظهر بياناتها في ميزانية الدولة.
مع تزايد إنفتاح شهية مسئولي الحزب الحاكم وأوليغاركية النظام للبيزنس إلى حد النهم، تغيرت بنية النظام ذاته مع مرور السنين. فقد إنمسخ النظام من حلقة ضيقة لحزب ايديولوجي منظم ومُحكم البناء (الحركة الإسلامية) تسيطر على حزب حاكم ذي قاعدة عريضة يضم الأحزاب والدوائر الأخرى (ما أصبح حزب المؤتمر الوطني اليوم)، وتسيطر من خلاله على الحكومة والدولة، إلى تحالف جائع للمال والسلطة يجمع رجال الأعمال الإسلاميين، والأمن والعشائر القبلية المنحدرة من مواطن أعضاء النخبة الإسلامية الحاكمة.

يفسر إنمساخ النظام كيف أنه أفلح في إهدار ما يُقدّر بـ60 بليون دولار حصل عليها السودان من عائدات النفط بين عامي 1999 و2011. وقد موّل مقادير معتبرة من هذه الأموال العامة حروباً لا يمكن تحقيق نصرٍ فيها، بما في ذلك دفع الأموال لما لا يُعد من المليشيات التي تعمل بالوكالة. كما استخدمت الأموال لإثراء أوليغاركية النظام. وفي ذات الوقت، أُقيمت مشروعات البنية التحتية الكبيرة والسدود والطرق السريعة والجسور، التي اعتبرت إنجازات كبرى، في الغالب في الولايات النيلية الشمالية الأقل من ناحية الكثافة السكانية والإنتاجية. وواضح أن هذا التوجّه بُني على أساس حسابات البقاء السياسي أكثر منه على الجدوى الإقتصادية. وقد اقترض النظام بكثافة من الصين وحلفائه الآخرين لتمويل إنهماكه في التشييد خلال السنوات الأخيرة، وهو أمر مشكوك في عائداته الإقتصادية.





جنوب السودان وإتفاقية السلام

الجبهة الإسلامية القومية عدّت الحركة الشعبية لتحرير السوادن دائماً حركة إنفصالية وعنصرية استهدفت الثقافة العربية والإسلامية. فقد نُظر للحركة الشعبية بوصفها وكيلاً للغرب وإسرائيل وطرفا في مؤامرة ضد الإسلام والعرب – وهي رسالة رُوّج لها باستمرار من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية للنظام. كان جنوب السودان بالنسبة للمتشددين الاسلاميين وأولئك الأكثر تشبثاً بفكرة الدولة الإسلامية النموذجية، عقبة وعائقا تجب الهيمنة عليه بالقوة في أحسن الأحوال أو فصله لمصلحة إقامة الحكم الإسلامي. عندما أخفقت الموجات المتكررة من الحملات الجهادية في هزيمة الجيش الشعبي، وأصبحت الحرب حرباً لا يمكن لأي من الطرفين الفوز فيها، قبل الإسلاميون بانفصال جنوب السودان كثمن لاستمرار مشروعهم الحضاري في الشمال. وما تبقى تاريخ فقد مهّد هذا المسار في نهاية المطاف الطريق للحكم الذاتي في الجنوب في عام 2005 ثم الاستقلال عام في 2011.

كانت عوامل أخرى فاعلة. إذ تقر الممثلة الخاصة السابقة للأمين العام للأمم المتحدة في جنوب السودان هيلدا جونسون في كتابها، “إندلاع السلام في السودان”، أن العوامل الرئيسية في إنهاء الحرب في جنوب السودان كانت هي الضغوط الدولية المثيرة للجدل، وأحداث 11 سبتمبر 2001 التي أتاحت للخرطوم “دافعاً قوياً لكي يُنظر لها باعتبارها متعاونة”. كذلك قدمت اتفاقية السلام الشامل (2005) الفرصة للمؤتمر الوطني لاكتساب شرعية جديدة وتعزيز سلطته لفترة امتدت حتى وقتنا الحاضر.

كان يمكن لاتفاقية السلام الشامل أن تتيح للسودان التخلص من صورته كدولة منبوذة، ولكن هذا لم يكن ليحدث. فحينما كان النظام يفاوض لينهي أكبر الحروب الأهلية في أفريقيا، قام باتخاذ إجراءات قاسية ضد تمرد صغير وغير استراتيجي اندلع في دارفور في 2003. كانت تكلفة استجابة الحكومة التي لم تتناسب مع حجم التمرد هي حياة 300,000 شخص من أهل دارفور حسب تقديرات الأمم المتحدة وإرسال أكثر من مليوني نازح إلى المعسكرات حيث ما يزالون يعيشون حتى يومنا هذا. وقد ساهمت الحملة في توسّع صفوف المتمردين بالآلاف. وقد عادت جرائم النظام في دارفور على البشير ومسئولين آخرين بالاتهامات و مذكرات الاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، وأبقت السودان في وضعه الراههن لا يتزحزح كدولة منبوذة.

في أعقاب الانفصال فاقم فقدان 75٪ من عائدات البلاد النفطية من الصعوبات الاقتصادية. كذلك، اشتعلت الصراعات التي نجحت اتفاقية السلام الشامل في تخفيف حدتها مرة أخرى. ففي مايو 2011 جرّت التوترات في منطقة أبيي المتنازع عليها دولة جنوب السودان المستقلة حديثاً الى حافة النزاع الحدودي مع السودان. كذلك أعادت المهام العالقة من إتفاقية السلام الشامل إشعال الحرب في جنوب كردفان في يونيو حزيران 2011، ومن ثم في النيل الأزرق في سبتمبر 2011. واليوم، ترزح سبعة من ولايات السودان الثمانية عشر تحت قوانين الطوارئ وما لا يُوصف من مشاهد الحروب المميتة.

في الجانب الاقتصادي، بلغ الدين الخارجي للسودان في يونيو 2014، 43.8 بليون دولار مقابل 12.9 بليون دولار في 1989. فقد ارتفع الدين الخارجي بنسبة 240 في المائة في السنوات الخمس والعشرين الماضية. وأُعلن السودان بلداً غير مؤهل لاستخدام موارد صندوق النقد الدولي؛ وفي 1993، علّق صندوق النقد الدولي حقوق السودان في التصويت. في 1989 كان سعر الصرف الرسمي للجنيه السوداني4.4 للدولار الواحد. وفي 2014، بلغ سعر الصرف الرسمي 5,700 جنيه سوداني (بالجنيه القديم) أو 5,7 (بالجنيه الجديد) للدولار الواحد. وقد أجبر انقلاب 1989 العديد من المانحين، خاصة في الغرب، على تعليق مساعداتهم الرسمية للسودان. وفي الوقت نفسه، ربما كان برنامج التحرير الإقتصادي السوداني في التسعينيات هو الوحيد في العالم الذي طبق الجزء الأصعب من وصفات صندوق النقد الدولي وفقا للمراقبين الاقتصاديين. وقد أدى هذا التطبيق إلى مستويات عالية من اللا مساواة في البلاد. وصنّف السودان في أحدث تقارير التنمية البشرية في المرتبة171 من جملة187 بلداً، مقارنة بعام 2008، عندما كان في المرتبة147. في الواقع، أنفق السودان أقل من 2 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي على الصحة والتعليم، ويُعتبر هذا أدنى إنفاق في أفريقيا جنوب الصحراء. وقد انخفض مجمل الناتج القومي الإجمالي إلى ناقص 10 في المائة في عام 2012، في أعقاب انفصال جنوب السودان.


نموذج البقاء

يعتمد بقاء النظام بشكل كبير على “أمننة السياسة” حسب تعبير الكاتب السوداني حيدر إبراهيم، التي تُحوّل أي مسألة سياسية إلى شأن أمني. فالأجهزة الأمنية في السودان تتبنى دائماً نظريات المؤامرة لتفسير أي حركة، ونقاش واحتجاج بوصفه شكلاً من أشكال التدخل الأجنبي. وتميل العقلية الأمنية إلى تجاهل أية دوافع سياسية أو شخصية أو إنسانية. فهم يسيئون تفسير الأسباب، مما يقود إلى تشخيص خاطئ يتبعه، على الدوام، علاج يعتمد على القمع والحظر.

تموّل الفروع الأمنية المختلفة بسخاء ويحميها القانون من أي ملاحقة. ومن الناحية السياسية فقد مدّ حزب المؤتمر الوطني بنجاح شبكة ضخمة من التحالفات، كانت ستثير غيرة القوى الاستعمارية القديمة. رسّخ الحزب علاقاته مع أفراد طبقة رجال الأعمال القديمة والجديدة، وبعض الطرق الصوفية وزعماء القبائل. كذلك توسع نظام الاستتباع ليشمل عددا من الأحزاب السياسية التي انضمت إلى الحكومة في مراحل مختلفة. واستبدل النظام منظمات الطلاب، والعمال، والنقابات، والمنظمات المهنية، ومنظمات الشباب بأولئك الذين تعهدوا بالولاء الثابت للحركة الاسلامية والنظام.

في الوقت نفسه، أحزاب المعارضة الرئيسية ضعيفة، وزاد النظام من ضعفها بالقمع والاستيعاب. ومجموعات الشباب مبعثرة ومختلفة، وتفتقر إلى حد ما للحنكة السياسية. والمجتمعات المدنية المستقلة في وضع هش وتحت رحمة بيروقراطية الدولة، والأمن والمانحين. ويظل السودانيون في الشتات فاعلين ومتفاعلين مع الأحداث السياسية في بلدهم من خلال الاحتجاجات لكنهم لا يشكلون تهديداً مباشراً لبقاء النظام.

تظل الجماعات المسلحة المنتمية للجبهة الثورية السودانية محصورة في مناطق محدودة جداً من جنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق ودارفور. إمكانية أن تهاجم الجبهة الثورية السودانية مركز السلطة في الخرطوم واردة، لكنها ستكون مهمة انتحارية. وقد نجحت الجبهة الثورية في صد هجمات النظام في موسم الجفاف التي تزداد شراستها.

لكن ما يزال عليهم الخروج ببرنامج سياسي متماسك ومقنع من شأنه أن يكون مقبولاً لسكان وسط السودان الشمالي الذين صوّر لهم عقدان من دعاية النظام المتمردين كبرابرة أباعد. وبدون خطاب سياسي فعّال وممارسات حكم مسئولة تعضد هذا الخطاب، ليس أمام مقاتلي الجبهة الثورية سوى فرصة ضئيلة لكسب الدعم لقضيتهم بين سكان وسط السودان. والنتيجة النهائية هي الاستقطاب المتنامي وانفصام العروة بين السكان المتأثرين بالحرب ما يعني المزيد من تمزق البلاد.


ملاحظات ختامية

قال أحد قادة الشباب من حركة التغيير الآن للمجموعة السودانية للديمقراطية أولاً “شهدت السنوات الخمس والعشرين الماضية الفصول الاكثر دموية في تاريخ السودان”. وفي الواقع تحول وعد المدينة الفاضلة الإسلامية إلى واقع إسلامي مرير. إذ آلت معظم وعود انقلاب 1989 في مجالات الاقتصاد، والحكم والسلام ومحاربة الفساد إلى عكسها. ومنذ 1989، لم يتسامح النظام على الإطلاق مع أي مظاهرات سلمية مناهضة للنظام، وهذا واقع موثّق بشكل جيّد. واستجابة النظام الوحيدة لحركات التمرد المُستعٍرة في المناطق المهمشة هي الرد العسكري السافر والوحشي بنيّة سحق مجتمعات بأكملها حتى الخضوع الجماعي. والنتيجة المتوقعة هي مزيد من التشرذم حيث تكبر الأجيال الجديدة تحت سحابة القصف الجوي والهجمات البرية المميتة. كذلك لجأ النظام في المراكز الحضرية في الوسط، التي هي أقرب إلى الخرطوم، إلى القوة المجردة رداً على الاحتجاجات السلمية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 متظاهر في سبتمبر عام 2013، معظمهم دون العشرين.

مع ارتفاع مد الاحتجاجات الجهيرة والهادئة، حاول النظام في 2014 إعادة اختراع نفسه من خلال عمليات الحوار الوطني. لكن الخوف من التغيير حوّل الدعوة إلى الحوار الوطني إلى شعار فارغ أكثر كونه عملية سياسية حقيقية وصادقة تهدف الى اخراج البلاد من المستنقع الذي جرها إليه الاسلاميون. وقد أداروا ظهورهم بما لا لبس فيه لكل الوعود النبيلة من سلام ورفع للقيود المفروضة على الحريات الأساسية مما أُعلن في يناير وأبريل 2014.

العادات القديمة لا تموت بسهولة، فالنظام يحافظ على تحكّمه في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات. وهذا يشمل مصادرة أرقام قياسية من الصحف بسبب أي إشارة انتقاد. وفي أحدث هجوم على المجتمع المدني أُغلق مركز سالمة لمصادر ودراسات المرأة في 24 يونيو وهو واحد من آخر المجموعات النسوية المستقلة. وعلى الرغم من الوعود بإطلاق سراح كافة “المعتقلين السياسيين”، تستمر الاعتقالات التعسفية كما لاحظت منظمة هيومن رايتس ووتش. وفي حين يواصل النظام قصفه العشوائي في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وصف تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية القصف المكثف بجرائم حرب.

وفي خاتمة المطاف فالدليل الصارخ على الإخفاق الكلي للمشروع الحضاري هو فقدان النظام لشرعيته الأخلاقية والدينية في نظر بعض المنشقين عن الحركة الإسلامية ممن كانوا بين مهندسي المشروع القدامي ووهبوه حياتهم. وعلى الرغم من إضمحلال هذا المشروع، ما تزال الدعاية له مستمرة حتى يومنا هذا في مناهج التعليم العام في السودان وفي وسائل الإعلام الحكومية، بالتعليمات البيروقراطية وقوة الدفع الذاتي. وقد توصلت الجماعات السلفية والجماعات الإسلامية المتطرفة التي يتسامح معها النظام في حين يقدم، للمفارقة، التقارير عن أنشطتها إلى وكالات الاستخبارات عبر أنحاء العالم. فالنظام الذي يستمر في ترويع مجتمعات بأكملها في بلده عمل بجد ليكسب صفة الحليف الموثوق به في الحرب ضد الإرهاب الدولي، وما هذا إلا سلاح آخر في كنانته.




التقرير من اعداد المجموعة السودانية للديموقراطية اولا  

و دمتم سالمين 

AddThis