Sunday, July 28, 2013

في أوروبا والدول المتخلفة





بداية يسمح لي الكاتب الصحفي و المؤلف الروائي و السناريست المصري بلال فضل في إستعارة أسم برنامجه التلفزيوني السابق كعنوان لهذه التدوينة

==================================
لا نسطيع إنكار أن الغالبية من أبناء شعبنا تعاني مما يسمى ب "عقدة ما يسمى بأوروبا و الدول المتقدمة". فكل ما تفعله و تنجزه هذه الدول و أفرادها يوصف بأنه حضارة و تقدم, في حين أن كل ما عندنا إما تخلف أو  تقليد اعمى لتك الأفعال التقدمية. و بات رجال السياسة و العلم و الدين و الثقافة يحذرون الناس و يلقون في قلوبهم الرعب من ذلك العدو المتقدم, الذي يتربص بأفكارهم و هويتهم و ثقافتهم و دينهم حتى. كل ذلك ادى الى ظهور تيارين متناحرين, احدهما كاره للأخرين و مؤمن أن هذه الدول تنوم و تقوم عشان تدمرنا, في حين أن التيار الأخر رافض لكل فكرة او منتج محلي لدرجة التبعية و إلغاء الهوية.
لا نريد ان نخوض و نتجادل في أفكار هذين التيارين و لكن نريد ان تعقد مقارنات بسيطة لنصل منها الى أن هذه الدول بتقدمها إجتماعيا و إقتصاديا و سياسيا و علميا لا تفرق عنا في كثير مما فضل الله به بعضنا على بعض و أحتمال كمان نكون أحسن تقدم و تطور منهم و إليكم الأدلة الدامغة على ذلك:

- في بداية هذا العام في الولايات المتحدة تم الإعلان عن بدء القوات الجوية الأمريكية في التخلص من ثلث وحداتها الجوية لتلبية مطالب خفض النفقات العسكرية، وهو ما يساوي مبلغ 857 مليون دولار كجزء من خطة تستهدف خفض ميزانية النفقات العسكرية بمعدل 85 بليون دولار يتم توجيهها إلى بنود أخرى في ميزانية البلاد المتهالكة. لم أقرأ الخبر في منشور سري أو في موقع معارض على شبكة الإنترنت بل قرأته في مجلة (ذي ويك) الأمريكية التي أشارت إلى وجود معارضة من الخبراء العسكريين للقرار مؤكدين أنه سيؤثر على كفاءة الوحدات العسكرية الموجودة حول العالم، لأنه سيؤدي إلى خفض أكثر من 45 ألف ساعة من أوقات الطلعات التدريبية بحلول أكتوبر القادم، وسيتم تدريب الطيارين المبتدئين على نماذج محاكاة بدلا من الطائرات الحقيقية. نحنا في السودان نتعامل بمنتهى الشفافية مع خططنا الأمنية و العسكرية. ففي مقابلة تلفزيونية أجريت مع السيد المشير رئيس الجمهورية بقناة النيل الازرق، سئل رئيس الجمهورية المشير عمر البشيرعمٌا إذا كان يوافق على وجود خلل في الصرف على الأمن والدفاع مقابل ما يتم صرفه على الصحة و التعليم فأجاب "لو كانت كل ميزانية حكومة السودان مخصصة للقوات المسلحة لكانت قليلة عليها ، لأنه لا يمكن أن تكون هناك دولة قوية بلا أمن ، لأننا إذا لم نكن أقوياء، الناس ديل سيطمعوا فينا" !!! الناس ديل الحيطمعوا فينا طبعا هم ناس أوروبا و الدول المتقدمة. لا ننسى أن نشير أن أمريكا سواء بحق أو بباطل فهي تقاتل في شرق الدنيا و غربها في حين أن أخر رصاصة أطلقتها قواتنا المسلحة الباسلة ضد قوات أجنبية غازية كان في مارس 1941 تحت إمرة الملازم محمد نصر عثمان عندما تصدت الفرقة الأولى لمحاولة دخول القوات الإيطالية للسودان من حدوده الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية. و من يومها فرصاص وطننا لا يتم إطلاقه إلا على من يحملون الجنسية السودانية. نذكرك عزيزي القارئ أن ميزانية الدفاع و الأمن العاوز أسد افريقيا يزيدها عشان الناس ديل ما يطمعوا فينا 1700 مليار جنيه بما يعادل 77% من ميزانية الدولة المهترئة التي ذرف سيادته دمعتين عندما أعلن أمام برلماننا الموقر و أعضائه من شاكلة حسبومان عن حزمة من الأجراءات التقشفية لمحاولة تدارك ما تم إفساده. طبعا بجانب المبلغ المشار له أعلاه يوجد 121 مليار جنيه خصصت لتأهيل مباني وزارة الدفاع دا غير المبالغ المجنبة في تلك الوزارة بعد أعتراف مراجعنا العام بوجود هذه الأموال المجنبة في كل وزارة. طبعا ما ننسى نشير لوجود 3 ملايين فرد تابعين لجهاز الأمن الوطني و المخابرات في وطن سكانه حوالي 30 مليون, أي بمعدل امنجي لكل 10 مواطنين. فما عليك عزيزي القارئ إلا التلفت يمنة و يسرة لان ذلك الأمنجي إحتمال قاعد يعاين ليك و أنت بتقرأ في التدوينة دي.


- في البرتغال أصدرت المحكمة العليا حكما بعدم دستورية خطة التقشف الحكومي الواسعة ذات الخمسة بنود التي أعلنت عنها الحكومة لمواجهة التردي الاقتصادي الذي تعاني منه البرتغال. و حيث أن الحكومة كانت تعول على تلك الخطة لأنقاذ إقتصادها من الإنهيار و الهروب من وطأة التصنيفات السيئة الموضوعة من قبل المنظمات الدولية, فإن ذلك الحكم القضائي قد وجه ضربة قاسية للحكومة. سبب حكم المحكمة كما ذكرنا هو عدم دستورية الخطة, فالخطة كانت تقضي بخفض مرتبات الموظفين الحكوميين، وهو ما أعتبرته المحكمة العليا إنتهاكا لمواد الدستور التي تقضي بحق العاملين في القطاع الحكومي بالمساواة في الحقوق مع العاملين بالقطاع الخاص. سبحان الله !!! نفس الشي عندنا في السودان و الحكومة عملت خطة تقشفية سميت بالبرنامج الإسعافي و قضت برفع الدعم الحكومي عن عديد السلع و خفض الأنفاق الحكومي و زيادة الجمارك و الضرائب على ما سمته الحكومة كماليات و غيرها من الكلام الهبوبي اللي أسد افريقيا و نائبه و وزير ماليتهم قالوه قدام البرلمان كتزويق و زخرفة لجملة واحدة "أنت حتشوف النجوم في عز الظهر يا شعبنا العزيز". المهم إحنا بنشبه البرتغال في نقطة نوضحها هنا. قبل الأنهيار الاقتصادي الحاصل دا و قبل كل تبعاته كان المجلس الأعلى للأجور وهو مجلس حكومي حدد و أقر أن الحد الأدنى للأجور هو 300 جنيه و أعترف المجلس أن هذا الحد الأدني لا يغطي سوى 12% من تكلفة المعيشة. بعبارة اخرى و بالبلدي كدا أقل حد للرواتب كانت الحكومة بتدفعه لموظفينها هو 300 جنيه في حين أن الحكومة نفسها معترفة إن الحد الأدنى مفروض يكون 2500 جنيه. طيب بعد كدا دخلنا في المأزق الأقتصادي و حصل تضخم و زيادة في الاسعار و رفع الدعم عن السلع الاساسية, فما كان من حكومتنا الرشيدة إلا أن زادت الحد الأدني للأجور من 300 جنيه إلى 450 جنيه في حين حد الكفاف أكيد بقى أضعاف مضاعفة عن ال2500 جنيه بتاعت زمان. نجي للنقطة الغلبنا فيها البرتغال و هي رغم عدم دستورية و أنسانية و أدمية و كرامة أعتراف الحكومة بنفسها أن الحد الأدنى للرواتب لا يكفي إلا 12% من تكاليف المعيشة ألا أن محاكمنا العليا و الدستورية و الجنائية و حتى المرورية عملت ميتة و لم تحرك ساكنا. و طبعا معاها الحق محاكمنا تعمل كدا إذا عرفنا إن موظفي الدولة عددهم 700 ألف يعني أنت و هي و هو عايزين المحاكم تحكم ببطلان البرنامج الإسعافي عشان 700 ألف واحد و تخلي التماسيح الكبار الأستفادوا من البرنامج دا في عصر المواطن و هرسه يطلعوا من المولد بلا حمص !!!

 
- عرضت في البرازيل خلال مهرجان المسرح الديني في مدينة إيتاراري مسرحية عن أخر لحظات سيدنا المسيح عليه السلام و كيف وشى به حواريه و تلميذه يهودا الأسخريوطي ليتم صلبه. و جسد دور يهودا شاب إسمه تياجو كيلميك يبلغ من العمر 27 سنة, و قد أجاد ذلك التياغو في تمثيل المشهد الذي يشنق فيه يهودا نفسه بعد وشايته بالمسيح و إحساسه بتأنيب الضمير على فعلته المهببة (بحسب الرواية الكاثوليكية طبعا). المهم أن صاحبنا أجاد في ذلك المشهد لدرجة ألهبت كفوف الجمهور الحاضر بالتصفيق. و لكن للأسف فإن ذلك الشاب المسكين كان قد فارق الحياة بعد أن تعطلت القطعة المرفقة بملابسه لمنع الحبل من الإلتفاف حول رقبته الشابة و ظل متدليا لمدة 4 دقائق في نفس الوقت الذي كان فيه الجهور يزيد من وتيرة تصفيقه ظنا منهم ان الممثل قاعد يجود في المشهد و أندمج في الدور. نأتي لبلدنا و نوضح بالدليل كيف أن حكومتنا الكريمة قد جاءت لسدة الحكم و الوطن على مشنقة صعوبة لقمة العيش و أن تأنيب ضمير قادة الحكومة قادهم لتقدم و التضحية ليقودوا الوطن المتهالك في وقتها إلى الأمام. و قد أجادوا تمثيل ذلك المشهد و هم يرددون عبارات من نوعية "لما جينا البلد دي الخزنة ما كان فيها مية ألف دولار", "لما جينا العيش و البنزين كانوا بالطوابير"إلخ إلخ. و لكنهم أكملوا تجويدهم لذلك المشهد و تركوا الوطن متدليا على مقصلة الشنق بعد أن ظهرت عبارات جديدة من شاكلة "إحنا مستهدفين في ديننا" مع الإحتفاظ بالعبارات القديمة طبعا. كل ذلك و كثير من الجمهور معجب بروعة هذا المشهد و لكن بدلا من التصفيق فهم يستخدمون التكبير لتحية أبطال تلك المشاهد.


- عثر خبير رادار أمريكي إسمه دافيد باكستر أثناء إبحاره بمركبه على بعد 70 ميلا عن شواطئ ألاسكا على كرة عليها كتابة بخط اليد بلغة لا يعرفها لكن بعد عودته لليابسة أتضح أنها باللغة اليابانية, و تم ترجمت الكتابة التي عرف منها أن الكرة تعود لصبي ياباني و تلك الكتابة تدل أنه تلقى هذه الكرة كهدية عند تخرجه من إحدى المدارس و تلك الكلمات ماهي إلا إهداء لذلك الصبي من إدارة مدرسته. تم اللجوء إلى صحفي ياباني عبر الإنترنت و تم نشر إعلان ساعد في إيصال الكرة لصاحبها الذي يعيش على بعد 3 ألاف ميل عن ألاسكا و كان قد فقد الكرة بفعل تسونامي ضرب مكان سكنه العام الماضي (2012). نحن في بلدنا لا نقل أمانة عن هذا الرجل الأمريكي بتاتا البتة فيكفي أن تضع شنطة تحملها و أنت تسير بين مواقف المواصلات المتعددة و المتباعدة, و تضعها للحظة لتمسح عرقك بعد مجهود معرفة مواصلات الحتة الماشي ليها نقلوها وين فتعود لتحملها فتتلفت يمينا و يسارا فتلقى الشنطة لحقت أمات طه. و لو فرطت شوية تاني إحتمال روحك نفسها ما تلقاها خصوصا بعد ظهور جرائم الخطف بشكل واضح في العامين الماضيين.
 
قال أوروبا و دول متقدمة قال !!!

و دمتم سالمين


No comments:

Post a Comment

AddThis