Sunday, October 11, 2015

و ابتدأ الحوار في بلداً ليله زي النهار





صباح العاشر من اكتوبر, 2015 انطلق في الخرطوم ما عرف اعلاميا و اجتماعيا بالحوار الوطني! حوار انطلقت اول دعوة له في يناير,2014 و بعد 21 شهرا من التحضير من الترغيب و التقريب من التهديد و الوعيد لمن اراد المؤتمر الوطني الجلوس معهم في طاولة الحوار هل ظهر الحوار ملبيا للتطلعات و الامآل ؟ هل تم تمهيد كل الصعاب و تذليل كل العقبات ليتم عقد هذا الحوار على ارضية مشتركة مرضية لكل اطياف الشعب ؟ و هل سيصل المتحاورون لاي نتائج يمكن ان تنعكس على الحياة السياسية المحتقنة و الاجتماعية المتفككة و الاقتصادية المتريدة في السودان؟

في البداية وجهت الحكومة الدعوة لما يسمى الاحزاب و السياسيين المعارضين ليشكلوا الاعب الاساسي في هذا الحوار, لكن خلال عام و نصف منذ اول دعوة لعقد هذا الحوار ضيقت الحكومة كل السبل و الطرق على كل المعارضين و اعتقلت منهم الكثيرين و اوصلت البلاد لحالة انقسام سياسي حاد ظهرت جلية في الانتخابات الرئاسية التي اجريت مبكرا هذا العام وقبل الانتخابات قاطعت احزاب  "7+7" اجتماعا مع البشير. ايضا استمرت الحكومة في تبني خيار عسكري غير مجدي في دارفور و جبال النوبة توجته بإنشاء قوات الدعم السريع.

و كذلك خلال فترة الاعداد و التحضير لهذا الحوار حدثت انقسامات حاد داخل جسم المؤتمر الوطني اسفرت عن ما سمي انقلابا داخليا سيطر فيه العسكريون على مفاصل الدولة بدلا عن الاسلاميين الذين فقدوا اهم شخصياتهم داخل النظام كعلي عثمان و نافع علي نافع. هذا التغيير تم قبل فترة قليلة من الانتخابات الرئاسية مما يدل على ان هذا الخلاف كان حادا داخل اروقة المؤتمر الوطني بما لم يسمح حتى بانتظار الانتخابات التى كانت نتائجها معروفة مسبقا للقاصي و الداني و من ثم تم اجراء التغيير على انه بداية عهد جديد. و بعد فوز البشير و مؤتمره الوطني في الانتخابات استبعدت دفعة جديدة من الاسلاميين من المناصب القيادية.

كل ذلك ساهم في اتساع شق الفرقة و الخلاف السياسي و الاجتماعي بدلا من تقليصه و الوصول الى طاولة الحوار بوجهات نظر متقاربة و متوافقة. ففي اغسطس الماضي اعلنت الجبهة الثورية مقاطعتها للحوار و حتى قبل ثلاث ايام من انعقاد اول جلسات الحوار كان مساعدا الرئيس إبراهيم محمود حامد وعبد الرحمن الصادق مع الصادق المهدي لاقناعه باللحق بالركب و اصدر المهدي بعدها بيانا نقتبس منه

"بهذه المناسبة فإن حزب الأمة القومى يؤكد التزامه بالحوار الوطنى الذى يحقق السلام العادل والشامل والتحول الديمقراطى والتداول السلمى للسلطة، واشيد بالتواصل فى سبيل حل هذه القضايا الوطنية،وسوف يعمل حزب الأمة القومى مع كافة القوى الوطنية لدعم الحوار الجامع الذى يحقق تطلعات الشعب السودانى المشروعة" و مع ذلك قاطع المهدي او كما يعرف بالامام الحوار تماما او على الاقل الى هذه اللحظة باعتبار ان الحوار سيستمر لثلاثة اشهر.

من اهم مشاهداتي الشخصية على الجلسة الافتتاحية للحوار ان البشير اشار أنه وجه بإطلاق سراح أي موقوف سياسي لم تثبت عليه بعد التحقيق تهمة جنائية في الحق العام أو الخاص، قائلا "إلا من أرتكب جرما يحاسب عليه القانون ففي هذه الحال سيواجه القضاء ومؤسسات العدالة التي يتوجب عليها ان تعلو بسلطان القانون فوق رؤوس الجميع" و هذا اعتراف ضمني منه بوجود معتقلين سياسيين في البلاد و هو ما ظل ينكره النظام مرارا و تكرارا و ايضا الم يكن من الاولى اطلاق سراح هؤلاء المعتقلين قبل بداية الحوار كدليل حسن نية و رغبة جادة في انجاح الحوار و الوصول الى نتائج بنهاية مدته!
بالمناسبة في وقت نشر هذه التدوينة تم اعتقال حافظ ابراهيم عبد النبي رئيس حركة جبهة القوى الثورية بمطار الخرطوم بعد وصوله من القاهرة !!!!! و تقولوا لي جادين في الحوار


ايضا من المشاهدات غياب اي تمثيل من الاتحاد الافريقي الذي يعتبر لاعب اساسي في كل محاولات التفاوض او الرقابة على الاوضاع دارفور. كان الاتحاد الافريقي اقترح على الحكومة عقد مؤتمر تحضيري، في أديس أبابا بمشاركة قادة الحركات المسلحة وقوى "نداء السودان"، لكن الحكومة رفضت كليا قبول المقترح، برغم تمسك معارضيها بالخطوة، لكن معلومات متطابقة أشارت إلى أن الاستعدادات تجرى حاليا لعقد المؤتمر التحضيري وإلحاق الحركات بالحوار الداخلي. اليس هذا عبث من الحكومة و دليل عدم جدية لان الحكومة رفضت دعوة من جهة اعتبارية و اتفاق كل الاطراف المقابلة ثم تأتي بعد بدأ الحوار و تبدي بعض الليونة في انها قد تذهب في طريق المؤتمر التحضيري. لم يتغير اي حدث على الارض يجعل الحكومة تتبني موقف مغاير من هذا المؤتمر بين ليلة و ضحاها و هذا يدل على انه الخلاف اصله و بدايته داخل بين النظام و ان هناك اقطاب متصارعة في المؤتمر الوطني. و كما اشرنا هذا الشي كان ظاهر للجميع طوال فترة الاعداد للحوار, فبين اجراءات و لهجة تصعيدية ضد المعارضة الى ليونة و استعداد لتقديم تنازلات و كان هناك فريق في النظام يشعل الحرائق ثم ياتي فريق اخر ليطفئها.و اخر هذه التناقضات كان تصريح وزير الخارجية إبراهيم غندور ، ان تغيب بعض القوى والحركات المسلحة لا يشكل اي انتقاص من قيمة الحوار, و أن الحوار بمن حضر في وقت اعلن البشير او حتى كانت هذه احدى توصيات اليوم الاول ان يتم الاتصال بالجميع في الداخل و الخارج للحاق بالركب و المشاركة في الثلاث اشهر المتبقية من هذا الحوار. فهل هو بمن حضر او اننا فعليا نحتاج ان نشمل المتغيبين.

طول أمد التحضيرات لانطلاق الحوار و كذلك امتداد فترته لثلاثة اشهر أفقده مصداقيته لدى الجمهور. فلو كانت النية صادقة لذللت الحكومة كل الصعاب التي اعاقت قيام الحوار في اسرع وقت و لو كانت الاهداف محددة لتم رسم خطة واضحة بتسلسل زمني محدد لتوصل لنتائج.


و ايضا الصورة التي مرت بها انتخابات ابريل الماضي اوضحت عدم الجدية في الاصلاح فالمقاطعة التي حدثت من اغلب الاحزاب المعارضة و ترشيح شخصيات معارضة لم يكن لها اي فرصة في الوقوف في وجه مرشح يحكم منذ ربع قرن جعلت المواطنين في حالة عدم لا مبالاة بما قد تسفر عنه الانتخابات و ظهر ذلك في المقاطعة الشعبية و ضعف الاقبال على التصويت. و نفس الشي يتكرر الان في وجود شخصيات على طاولة الحوار يعدها النظام معارضة و لكنها معروفة للكل بانها شخيات مولودة من رحم النظام و معارضتها اسمية او شكلية فقط لا غير, اي ان وجودها هو مجرد اضفاء شرعية للحوار كتلك الشرعية التي بحث عنها النظام خلال النتخابات.


اخيرا قرار النظام المشاركة في التحالف سعودي القيادة ضد الحوثيين في اليمن الذي اتخذ بدون اي مشاورات برلمانية او سياسية و اتخذ القرار قبل اسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية اوضح ان المؤتمر الوطني متفرد بالقرارات لن يقبل اي شراكة او نصح من اي طرف. حرب اليمن لم يكن لها اهداف واضحة تنتهي الحرب بتحقيقها, انما كانت مجرد مسرح متاح للسعودية لعقد مواجهة مبطنة مع ايران و الان بعد ما يزيد عن ستة اشهر من هذه الحرب لم نرى لها نتائج و لا يعلم احد من اهدافها التي بتحقيقها تنهي الحرب. الؤتمر الوطني اتخذ قرار المشاركة منفردا في حرب بلا هدف لمجرد محاولة التقرب للدول الخليج بعد ان تم خسارتها بعد التقرب السابق لايران! عموما حرب اليمن و التخبط في السياسة الخارجية سنفرد لها المقال القادم و نعدكم ان يكون خلال اسبوع على الاكثر

اختتم بجزء من تحقيق للاستاذة منى عبد الفتاح اعدته للجزيرة نت

"فالمواطن العادي الآن تهمه لقمة العيش بغض النظر عمن يحكم، ووصوله إلى هذا الدرك الأسفل من اليأس من الإصلاح السياسي بسبب تكالب الحكومة والمعارضة على حد سواء على المناصب التي يحتكرها الحزب الحاكم ويوزعها في صفقات وترضية دون النظر إلى مشاكله"

الطرفين من معارضة و حكومة اصبح هدفهم مكاسب شخصية و الشعب مجرد ورقة ضغط لتحقيق هذه المكاسب. و زهد المواطن في الانتخابات الماضية لم يكن نابع من مقاطعة المعارضة انها لعلمه بعدم وجود رغبة في الاصلاح او التغيير و ان مافي النفوس يبقى في النفوس. كان يجب ان يتسم مشروع الحوار بالشمول ويسعي لإيقاع الإجماع الوطني والتوافق السياسي العام، من خلال الترفع و تجاوز الخلافات لنصل الى التغيير وبناء نظام سياسي ديمقراطي حقيقي واضعا الأسس لبناء دولة مدنية حديثة. و مازالت الفرصة قائمة لانجاحه في حالة صدق الجميع و عملوا في سبيل تحقيق ذلك و الا فان هذه الحوار سيكون مجرد وسيلة لاعادة انتاج نظام المؤتمر الوطني بنسخة اكثر قبحا و تعاليا باعتبارها ناتجة عن حوار و اجماع وطني و ان كان معيبا و كذلك اعطائه شرعية بحث عنها منذ الانتخابات الماضية و الاحراج الذي عانى منه بسبب المقاطعة الشعبية. و مما يعزز هذه النظرية ان اغلب المتحاورون الان هم من الاسلاميين و كأن الهدف اصبح جمع شتات الاسلاميين تحت مظلة المؤتمر الوطني. و كذلك انعقاد الحورا بهذا الشكل سيزيد من ابتعاد المعارضة عن الشارع و عن المواطن و عن العمل مع الحكومة لاحداث اي تغيير



و دمتم سالمين

No comments:

Post a Comment

AddThis