Wednesday, October 28, 2015

الغثاء الأحوى في تصريحات المسئولين السودانيين





يقول الكاتب هوتسون بيترسون في كتابه "مجموعة الخطب العظمى" أن السياسي يجب أن يتمتع بذاكرة قصيرة، وهو أمر لا غنى عنه، لاضطراره لمناقضة نفسه تبعا للمناسبات العديدة التي تجابهه في كل ساعة. و تلك للأسف حقيقة السياسة لانها مجال متقلب الاحوال و كسياسي تحتاج للتقلب تبعا لهذه التغيرات للحصول على اكبر المكاسب الممكنة, و ذلك يجعل السياسيين هم الميكافيليين الحقيقيين.

بالنسبة لدولنا العربية, فالسياسيين القابعين في السلطة و أن كانوا غير مباليين بخدمة شعوبهم, ألا انهم عندما يتحدثون فأنهم يحاولون أن يقولوا ما يريده الناس او ما قد يرضي طموحهم. على سبيل المثال, بعضهم يكرر نحن امة عظمى و العالم بتربص بنا و لكننا قريبا سنرتقي لمصاف دول العالم الاول! و العديد مما يشبه ذلك بمنطق "شوف الشعب عايز ايه و قوله لهم".
تنعكس هذه النظرية في السودان رأسا على عقب,حيث المسئولين لا يتوقفون عن احتقار المواطن و التقليل من شأنه في خطاباتهم و تصريحاتهم. آخر هذه التصريحات المشينة كان لبعض نواب البرلمان و نشرتها الصحف السودانية يوم 28 أكتوبر الماضي و التي تقول ان السودان ليس بلد فقير و لكن الشعب هو من أفقر البلاد بسبب سياساته تراخيه و عدم جديته !!! شخصيا لم أكن أعلم بمصطلح "سياسة الشعب"  من قبل هذا التصريح و أحب أن أشكر نواب البرلمان على هذه المعلومة.

اثار هذا التصريح ذاكرتي لتسترجع شريط عجائب تصريحات المسئولين السودانيين, و أليك عزيزي القارى بعض منها:
في سبتمبر 2013 و خلال موجة الأحتجاجات الشعبية ضد الأصلاحات الأقتصادية التى أقرتها الحكومة و خصوصا رفع الدعم من المحروقات, خرج قطبي المهدي مستشار الرئيس و القيادي في المؤتمر الوطني في تصريح مضحك للتقليل من تأثير رفع الدعم عن المحروقات باعتبار ان غالبية الشعب السوداني يركب الدواب فلا حاجة لهم بالمحروقات !!! تصريح كوميدي من قيادي بالدولة أُريد به الدفاع عن نظام الأنقاذ و لكنه كان على العكس ضربة للنظام. وصل نظام الأنقاذ للسلطة في العام 1989 و لو كان غالب السودانيين يركبون الدواب في ذلك العام, فتصريح المهدي يدل أنه بعد ربع قرن من حكمه لم يقدم نظام الأنقاذ اي شي لتطير حياة السودانيين. أما ان لم يكن غالب السودانيين يركبون الدواب عن وصل الأنقاذ للسلطة فهذا يدل على أن النظام أفقر الشعب و أعاده للوراء. أذا هذا التصريح بكل الأشكال تصريح أدانة للحكومة و أهانة للشعب. الأغرب أن قبل عام من تصريح المهدي كان ربيع عبد العاطي مستشار وزير الأعلام في وقتها قد صرح ان حكومة الأنقاذ عندما أستلمت السلطة لم يكن مجموع الشوارع المسفلتة في السودان يتجاوز 800 كم و لكنه وصل إلى 4000 كم في العام 2012. أذا كان أغللب الشعب يركب الدواب بحسب قطبي المهدي فأذا يجب محاسبة الحكومة على أهدارها لأموال الشعب في تعبيد و رصف الطرق بدلا من مجرد زراعتها بالبرسيم على الجانبين!
في نفس السياق كان وزير الخارجية السابق مصطفى عثمان أسماعيل قد صرح أن الشعب السوداني تعود على الرفاهية و يصعب فطامه. تشبيه الشعب بالطفل المفطوم تعتبر أهانة كبرى و لكن قبل ذلك اليست رفاعية الشعب تعتبر من اولويات اي نظام حاكم ؟ و لماذا يعبرها الوزير منقصة في حق نظامه أنه جعل السودانيين يعيشون في رفاهية مزعومة.

عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم الأسبقكان له نصيب من فوضى التصريحات, حيث قال في مؤتمر صحفي أبان فترة الأحتجاجات في 2013 و لتبرير قتل المتظاهرين من قبل الشرطة, قال ان الشرطة لم تقتل أحدا و لكن بعض المواطنين دافعوا عن انفسهم و ممتلكاتهم ضد المتظاهرين المخربين و قتلوهم. إلى هنا قد يبدوا التصريح منطقيا و أن كان يدين الشرطة لغياب الأمن و تركها للمواطن يدافع عن نفسه بنفسه و لكن الوالي أكمل التصريح بالقول كل من مات له شخص يذهب و يبحث عن قاتله فالشرطة لم تقتل أحدا. في وقتها اعدت سماع التصريح مرارا و تكرارا لان أذني لم تصدقه في البداية. فبعد أن دافع المواطنون عن ممتلكاتهم ضد بعض المخربين حسب وصف الوالي على أهل القتلى أن يذهبوا و يايأخذوا حق قتلاهم بنفسهمو كان الوالى يحكم غابة و ليس ولاية !!! ثم عقب وزير الداخلية آنذاك أبراهيم محمود على كلام الخضر أنه لم يقتل خلال الأحتجاجات و أن صور القتلى المتداولة كانت من دولة مجاورة. هل يعقل خلال نفس المؤتمر الصحفي يعلن مسئول اول انه هناك قتلى قتلهم بعض المواطنين ثم يرد مسئول آخر انه لا يوجد قتلى بتاتا البتة.

نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية أبان احتجاجات سبتمبر 2013 قلل من شأن التظاهرات على نظام الأنقاذ و انها لن تكون موجة أخرى من موجات الربيع العربي و قد استخدم السيد نافع تعبيرا سودانيا للدلالة على الاستحالة بقوله ان لحس المتظاهرين لاكواعهم اسهل من إسقاط الحكومة في الخرطوم.

النائب البرلماني دفع الله حسب الرسول له نصيب وافر من التصريحات الشاذة و الغريبة. في مرة قال أن أي فتاة غير مختونة هي عفنة و يجيب الأبتعاد عنها. و في مرة أخرى قال أن الرجال السودانيون يجب أن يتزوجوا عدة زوجات لينجبوا مزيدا من الأبناء لان السودان أمة مستهدفة والجيش يحتاج إلى دعم و مزيد من الأفراد في صفوفه. و عندما أجتاحت الجبهة الثورية عدة مناطق في ولاية كردفان في مايو 2013 قال النائب حسب الرسول أن تلك الحرب كانت غضب إلاهي لان مسئولين ولاية كردفان يسمحوا للفتيات بممارسة رياضة كرة القدم. و أيضا صرح في مرة أن توفير الواقي الذكري هو دعوة علنية للمارسة البغاء و الدعارة. عموما بسبب تصريحات البلماني حسب الرسول الذي لا تخرج من دائرة النساء تم تلقيبه بلقب "حسبو نسوان"

في نهايات عام 2014, قدمت وزارة الصحة لمجلس الولايات تقريرا عن الأحتياطات و الأستعدادات التي اتخذتها الوزارة مواجهة وباء ايبولا. و خلال جلسة الاستماع للتقرير, أنتقد نواب المجلس الأجراءات التي  اتخذتها وزارة الصحة لمنع دخول الوباء للبلاد وطالبوا المواطنين بالتوجه للمساجد وتلاوة القرآن الكريم والتضرع الى لله لمنع دخول الإيبولا.
في عام 2014 صرح والي جنوب دارفور آدم محمود جار النبي في محاولة تبرير انتشار ظاهرة السرقة باستخدام الدراجات النارية ولايته, "انتشار الدراجات النارية بالولاية مخطط غربي صهيوني".

و يبدو ان عام 2014 كان عام كوميديا التصريحات بلا منازع, ففي يوليو صرح سالم الصافي حجير رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان أن ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه إلى حاجة التجار لشراء الكريمات وإكسسوارات الفتيات، وقال: "الحكومة توفر حاجتها من الدولار لشراء الأدوية والقمح والوقود وما في شيء برفع سعر الدولار الا التجار ليشتروا به الكريمات واحتياجات البنات".
في الوقت الذي اكد فيه حاج ماجد سوار، الامين العام لجهاز السودانيين العاملين بالخارج، أن عدد السودانيين الذيم هاجروا من السودان بين 2009 و 2014 تجاوز 347 ألف شخص استقر معظمهم في دول الخليج. وتحتضن السعودية أكبر جالية سودانية مهاجرة عبر العالم، إذ يقيم بها وبصورة شرعية أكثر من مليوني سوداني. خرجت وزيرة الرعاية الاجتماعية في ولاية الخرطوم، عفاف أحمد عبد الرحمن لتقول إنها "مع هجرة الشباب، ومع مبدأ الهجرة، فتلك سنّة نبوية و يجب على الشباب الأقداء بها".

في فبراير من هذا العام, تم اغلاق جسر المنشية على النيل الازرق في ولاية الخرطوم امام حركة المرور بحجة الصيانة. و قد كان هذا الجسر قد افتتح في 2006. عموما بعد اغلاق الجسر خرج طارق شاكر عباس مدير الإدارة العامة للشؤون الفنية في هيئة الطرق والجسور في ولاية الخرطوم بأغرب تصريح, حيث صرح ان سبب تصدع الجسر و تآكل اساساته قد حدث بسبب "الجقور"! و الجقر في العامية السودانية هو الفأر الضخم. في رأيي بعد هذا التصريح يجب تحديث مناهج الأحياء في المدارس لأضافة الخرسانة المسلحة كأحد اغذية الفئران.

بطل كوميديا التصريحات في نظام الأنقاذ هو عبد الرحيم محمد حسين والي الخرطوم الحالي, وزير الدفاع الأسبق و وزير الداخلية السابق. غرابة تصريحات هذا الرجل جعلت السودانيين يطلقون عليه لقب "اللمبي" و هو اسم شخصية سنمائية مصرية اشتهرت بالكوميديا و السذاجة.  فبعد الرحيم محمد حسين هو الذي قال مبررا عدم التصدي لهجوم الطيران الأسرائلي على مدينة بورتسودان عندما كان وزيرا للدفاع, أن الطائرات اغارت في الظلام وقت صلاة العشاء و كان اضواء هذه الطائرات مطفئة !!! و أضاف أنهم في وزارة الدفاع سيعممون تقنية الدفاع بالنظر على طول الساحل الشرقي لصد اي عدوان مستقبلي  , فما كان من الذيع إلا ان طلب توضيحا لتقنية الدفاع بالنظر فأجاب الوزير بسذاجة أنه سيتم نشر أفراد لمراقبة السماء على طول الساحل لرصد أي اختراق للأجواء 
السودانية.

و كلما وجهت اسرائيل ضربة للسودان خرج المسئولون بتصريحات اغرب من سابقتها. بعد غارة الطيران الأسرائيلي على مصنع اليرموك في العاصمة الخرطوم عام 2012 و هي الغارة التي سبب الرعب لعدد كبير من سكان العاصمة و حولت ليلهم إلى نهار. خرج الناطق الرسمي للقوات المسلحة العقيد الصوارمي خالد سعد و قال أن كل ما حدث كان حريقا بسبب تطاير الشرر من ماكينة لحام داخل المصنع و لان المنطقة تكثر فيها الحشائش والأشجار فقد ساهم ذلك في انتشار النيران.
و رغم أن السودانيين يتداولون هذه التصريحات بنوع من التندر و الضحك و لكنها تصريحات خيرة في باطنها تدل على أستهتار بالسودان و السودانين و مقدراتهم و عدم وضع أي وزن للرد فعل الناس على هذه التصريحات.


و دمتم سالمين 


No comments:

Post a Comment

AddThis